في خطوة تعكس تفاقم الأزمات الإنسانية والتعليمية في أفغانستان، غادر أحد كبار المسؤولين البلاد في يناير بعد انتقاده العلني لحظر التعليم المفروض على الفتيات. هذه السياسة التي وضعتها حركة “طالبان” حرمت أكثر من مليوني فتاة من حقهن في التعليم منذ عودتها للحكم.
خلافات داخل “طالبان”
تتزايد الانقسامات بين مسؤولي حركة “طالبان” حول قرار منع الفتيات من التعليم الثانوي، مما دفع بعضهم، مثل وزير واحد على الأقل، إلى مغادرة أفغانستان نتيجة عدم استجابة الجماعة لمطالبهم. بالتوازي، اضطرت عائلات عدة إلى الانتقال لضمان استمرار تعليم بناتهم.
في ظل قيام الشرطة الدينية بدوريات في البلاد لفرض القيود، زادت حدة الانتهاكات حتى أصبحت قمعية، الأمر الذي أثار دعوات داخل الحركة نفسها للمطالبة بإلغائها. وكان ذلك وفق ما أشار إليه ثلاثة مسؤولين من “طالبان” لشبكة “إن بي سي نيوز”، حيث توافقوا على عدم كشف هوياتهم لتقديم هذه الشهادات بحرية.
موقف القيادة العليا
أفاد المسؤولون الثلاثة بوجود انقسامات متزايدة بين جماعة “طالبان” التي تميل إلى التشدد في قندهار، حيث يقيم زعيم الحركة، هبة الله أخوند زاده، وأعضاء أكثر اعتدالاً في العاصمة كابل. وعلى الرغم من انتمائهم لجناح متشدد، إلا أنهم أبدوا مواقف متباينة حول حق الفتيات في التعليم.
واعتبر أحدهم أن منع الفتيات من الذهاب إلى المدارس كان خطوة خاطئة، مشيرًا إلى أن بعض أعضاء “طالبان” عبّروا عن آراء إيجابية تجاه تعليم الفتيات، مؤكدًا أن ذلك يعكس رغبتهم في تحسين صورة الجماعة.
تصريحات مسؤولة
على الرغم من تصاعد الانتقادات الداخلية، نفى المتحدث باسم “طالبان”، ذبيح الله مجاهد، وجود توترات في الحكومة، معترفًا في الوقت ذاته بوجود اختلافات في الآراء. وفي انتقاد نادر لنظام “طالبان”، عارض شير محمد عباس ستانيكزاي، القائم بأعمال نائب وزير الخارجية، الحظر المفروض على تعليم الفتيات، معتبرًا أنه “ظلم” لا يتماشى مع الشريعة.
أكد ستانيكزاي أن منع الفتيات من المدارس ليس له مبررات، سواء الآن أو في المستقبل، وهو ما أدى في النهاية إلى مغادرته أفغانستان بعد أيام من انتقاده.
تحديات ومعوقات التعليم
مع بداية عام دراسي جديد، لم يتمكن حوالي 2.2 مليون فتاة من العودة إلى مقاعد الدراسة، وفقًا لمنظمة “اليونيسف”. ومع ذلك، لا توجد مؤشرات على أن حركة “طالبان” ستتراجع عن سياساتها القاسية، مما دفع بعض العائلات إلى اتخاذ قرارات صعبة للخروج من أفغانستان بحثًا عن تعليم آمن لفتياتها.
سحر فيترات، الباحثة في “هيومان رايتس ووتش”، أفادت بأن العديد غادروا البلاد ليس بسبب الاضطهاد المباشر، بل سعيًا لتعليم بناتهم، مشيرةً إلى أن هذه الرحلات تتسم بمخاطر جسيمة وغالبًا ما تتم عبر طرق غير قانونية.
قصص شخصية مؤلمة
غولالاي، التي تبلغ من العمر 15 عامًا، تحدثت عن قرار عائلتها بمغادرة كابل إلى بيشاور بسبب رغبة والدها في أن يتمكنوا من مواصلة تعليمهم. أبدت غولالاي أسفها على فقدان حياة جديدة مع أصدقائها في كابل، لكن عائلتها واجهت صعوبات في الحصول على تأشيرة قانونية، مما أجبرهم على اللجوء إلى دفع الرشاوى للعبور.
أخبرت غولالاي بأنها أمضت فترة من الصعوبة في الاندماج بمدرستها الجديدة بسبب عدم إتقانها للغة الأردية، اللغة الوطنية في باكستان، معبرة عن آمالها في أن تصبح ممرضة يومًا ما.
الوضع الصعب للاجئين
حتى اللاجئون الذين تمكنوا من الفرار يواجهون صعوبة في الحصول على فرص التعليم في الدول المضيفة. في باكستان، وقعت الحكومة على قرار بطرد جميع اللاجئين الأفغان بحلول مارس. ووفقًا لتقديرات “منظمة العفو الدولية”، فإن حوالي 844,499 افغانياً تعرضوا للترحيل بين سبتمبر وفبراير.
غولالاي، التي نجت من رحلة قاسية، أعربت عن قلقها بشأن مستقبل عائلتها، معربةً عن مخاوفها من أن يتم طردهم مرة أخرى. وفي الوقت نفسه، تشدد “طالبان” قبضتها على حقوق المرأة، وهو ما يترك علامات استفهام حول مستقبل التعليم في البلاد.