صادق مجلس النواب العراقي، يوم الاثنين، على انتخاب النائب هيبت حمد عباس الحلبوسي رئيساً للبرلمان للدورة السادسة، وذلك في خطوة تُعَدّ من بين أكبر التطورات السياسية في البلاد. عُقدت الجلسة تحت أجواء هادئة، حيث تم تسوية التنافس بفضل انسحابات مدروسة وتفاهمات سياسية جرت في الكواليس، مدعومة من قوى شيعية وكردية، وفقاً لمصادر سياسية.
حصل الحلبوسي، القيادي في حزب «تقدم»، على 208 صوتاً من أصل 309 نواب شاركوا في التصويت، متفوقاً بفارق كبير على منافسه سالم العيساوي الذي حصل على 66 صوتاً، بينما انسحب المرشح الثالث عامر عبد الجبار. ترأس النائب الأكبر سناً، عامر الفايز، الجلسة.
انسحابات مدروسة
بحسب مصادر مطلعة، فإن تسريع اختيار رئيس البرلمان جاء نتيجة اتفاق داخلي بين القوى السنية. فقد أعلن رئيس تحالف «العزم»، مثنى السامرائي، انسحابه من الترشح خلال الجلسة الأولى لتقديم الدعم للحلبوسي.
تشير المصادر إلى أن انسحاب السامرائي تم بعد تفاهم على إعادة توزيع المناصب الوزارية واستحقاقات القوى السنية في العملية السياسية، مما يضمن تمثيلاً عادلاً في الحكومة المقبلة.
حصص سياسية
قبل بدء الانتخابات، أكد السامرائي دعمه للحلبوسي في الجلسة الأولى للبرلمان بحضور 292 نائباً، معبراً عن تقديره لقادة كحمد صلاح الدين. وقد أثمرت هذه الحوارات عن دعم غير معلن من قوى شيعية، ما يسهل تشكيل الحكومة وتجنب السيناريوهات السابقة للانسداد السياسي.
وعلى الرغم من اجتماع المجلس السياسي الوطني الذي يضم القوى السنية في منزل خميس الخنجر، إلا أن جولات التفاوض أسفرت عن انسحاب السامرائي ودعمه للحلبوسي كمرشح يمثل الأغلبية السنية.
استقرار سياسي
يُعتبر انتخاب هيبت الحلبوسي خطوة لتثبيت دور القوى السنية في البرلمان وإعادة الحضور لحزب “تقدم”، الذي يقوده رئيس البرلمان السابق. يُعد الحلبوسي، 45 عاماً، وجهاً برلمانياً بارزاً منذ 2018، وكان قد ترأس لجنة النفط والطاقة.
يأتي هذا التطور في إطار نظام المحاصصة المعتمد منذ 2005، الذي يوزع المناصب بين المكونات الثلاثة: الشيعية، والسنية، والكردية. بدأ المجلس إجراءات اختيار نائبيه، وفقاً للعرف السياسي.
الخطوات المقبلة
بعد انتخاب الحلبوسي، يعمل المجلس على تشكيل الحكومة المقبلة، بالتزامن مع تعزيز “الإطار التنسيقي” موقعه عبر تقديم تواقيع الكتلة الأكبر رسمياً، مما يدل على استمرار الخطوات الدستورية لتشكيل الحكومة.
في الجهة الأخرى، دعا مسعود بارزاني، رئيس “الديمقراطي الكردستاني”، إلى تغيير آلية انتخاب رئيس الجمهورية، لضمان تمثيل حقيقي لشعب كردستان، مما قد يفتح باب التفاوض داخل البيت الكردي.
استحقاقات دستورية
يواجه البرلمان الجديد استحقاقات دستورية ملحة، إذ ينص الدستور على ضرورة انتخاب رئيس الجمهورية خلال ثلاثين يوماً من الجلسة الأولى، يليها تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة.
في ظل نظام مُعقد وغالباً ما يسجل فترات طويلة من الانسداد، يبدو أن التسوية السنية التي أفضت لاختيار الحلبوسي، بدعم شيعي ضمني، يمكن أن تُمثل نموذجاً لتفاهمات أوسع، مما يرشح العراق نحو استقرار سياسي متزامن مع تحسين الظروف الأمنية.
تاريخ من التوتر
تاريخ العراق الحديث شهد عمليات انتخابية متعثرة عبر دورات تشريعية عدة، حيث تعكس النتائج انقسامات عميقة وهشاشة توافقات بين المكونات. على سبيل المثال، استغرقت عملية تشكيل الحكومة في دورة 2010 شهوراً بسبب خلافات مستقلية عميقة.
وفي مضمار 2014، ورغم انتخاب سليم الجبوري رئيساً، واجهت الحكومة عراقيل ضخمة، بينما تعثرت عملية تشكيل الحكومة في 2018 بسبب انقسام القوى السنية مما أدى لطول المفاوضات.
أما في دورة 2021، فقد أدت الانقسامات الحادة إلى أزمة سياسية طويلة، استمرت قرابة عام كامل، قبل أن يتم تشكيل حكومة محمد شياع السوداني بعد انسحاب بعض الكتل.


