في خطوة تثير جدلاً واسعاً، تعتمد المملكة المتحدة على أنظمة التعرف على الوجوه في الوقت الفعلي على نطاق واسع، لتصبح الدولة الأوروبية الوحيدة التي تستخدم هذه التقنية بهذه الكثافة. من المتاجر الكبرى إلى المهرجانات الحاشدة، تخضع وجوه الملايين للمسح والمراقبة.
كاميرات في المهرجانات
في “مهرجان نوتينغ هيل” اللندني، الذي يستقطب ما يقارب مليوني شخص للاحتفاء بالثقافة الأفريقية الكاريبية، تنتشر كاميرات التعرف على الوجوه عند المداخل والمخارج الرئيسية.
تهدف الشرطة من خلال هذه الإجراءات إلى تحديد هوية المطلوبين وتوقيفهم، وذلك عبر مقارنة الوجوه في الحشود بقاعدة بيانات تضم آلاف المشتبه بهم.
أداة الشرطة الفعالة
يؤكد مارك رولي، قائد شرطة العاصمة، على أن هذه التقنية تمثل “أداة شرطية فعّالة”، مشيراً إلى نجاحها في تحديد مواقع مجرمين في مناطق الجريمة الساخنة، مما أسفر عن أكثر من 1000 اعتقال منذ بداية 2024.
بدأ اختبار هذه التقنية في عام 2016، وشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصاعداً ملحوظاً في استخدامها بالمملكة المتحدة.
انتشار واسع النطاق
تشير تقديرات منظمة “ليبرتي” غير الحكومية إلى أن نحو 4.7 مليون وجه قد تم مسحه ضوئياً خلال عام 2024 وحده.
استخدمت الشرطة البريطانية نظام التعرف المباشر على الوجوه حوالي 100 مرة منذ أواخر يناير، مقارنة بعشر مرات فقط بين عامي 2016 و 2019.
أمة من المشتبه بهم
أُجريت عمليات مسح مماثلة قبل مباراتين في بطولة الأمم الست للرغبي، وأمام الاستاد الذي استضاف حفلتين موسيقيَّتين لفرقة “أويسيس” في كارديف في يوليو.
عندما يمر شخص مدرج على “قائمة مراقبة” الشرطة بالقرب من الكاميرات، يُصدر النظام المدعوم بالذكاء الاصطناعي تنبيهاً، وغالباً ما يتم تركيب هذا النظام في عربة فان تابعة للشرطة.
احتجاز فوري للمشتبه بهم
بمجرد أن تؤكد الشرطة هوية المشتبه به، يمكن احتجازه على الفور.
لكن هذا الكم الهائل من جمع البيانات في شوارع لندن، والذي شوهد أيضاً خلال مراسم تتويج الملك تشارلز الثالث في عام 2023، يثير مخاوف بشأن تحويل المجتمع إلى “أمة من المشتبه بهم”، وفقاً لمنظمة “بيغ براذر ووتش”.
غياب الضمانات القانونية
توضح ريبيكا فينسنت، المديرة المؤقتة للمنظمة، أنه “لا يوجد أساس تشريعي لهذا الإجراء، وبالتالي لا توجد ضمانات لحماية حقوقنا، وتُترك مهمة وضع القواعد للشرطة”.
كما أثار استخدام هذه التقنيات من قبل متاجر السوبر ماركت ومتاجر الملابس لمكافحة السرقة مخاوف مماثلة، بسبب “قلة المعلومات” المتاحة حول كيفية استخدام البيانات.
تأثير على الحياة المدنية
تستخدم غالبية هذه المتاجر تطبيق “فيس ووتش”، الذي يجمع قائمة بالأشخاص المشتبه بهم في المتاجر التي يراقبها، ويصدر تنبيهاً في حال دخول أحدهم.
يقول داراغ موراي، المحاضر في قانون حقوق الإنسان بجامعة كوين ماري في لندن، إن هذه التقنية “تغير مفهوم العيش في المدينة، لأنها تلغي إمكانية العيش دون الكشف عن الهوية”.
تقييد المشاركة السياسية
يضيف موراي: “قد يكون لذلك آثار كبيرة على الاحتجاجات وعلى المشاركة في الحياة السياسية والثقافية”.
في كثير من الأحيان، لا يعلم رواد هذه المتاجر أن بياناتهم الشخصية يتم جمعها.
ضرورة الإشعار المسبق
أعربت أبيغيل بيفون، خبيرة الطب الشرعي البالغة من العمر 26 عاماً، عن دهشتها من نطاق استخدام هذه التقنية، وأكدت على ضرورة إطلاع الناس عليها.
على الرغم من اعترافها بإمكانية فائدة هذه التقنية للشرطة، انتقدت استخدامها من قبل تجار التجزئة واعتبرته “انتهاكاً”.
حظر في الاتحاد الأوروبي
منذ فبراير، تحظر تشريعات الاتحاد الأوروبي المنظمة للذكاء الاصطناعي استخدام تقنيات التعرف على الوجوه في الوقت الفعلي، مع استثناءات محدودة مثل مكافحة الإرهاب.
تؤكد فينسنت أنه “لا نرى أي شيء قريب من ذلك في الدول الأوروبية أو غيرها من الديمقراطيات”، باستثناء حالات قليلة في الولايات المتحدة.
مقارنة بالدول الاستبدادية
وترى أن “استخدام مثل هذه التكنولوجيا الانتهاكية أشبه بما نراه في دول استبدادية مثل الصين”.
كانت وزيرة الداخلية البريطانية، إيفيت كوبر، قد وعدت بصياغة “إطار قانوني” ينظم استخدام هذه التقنية، مع التركيز على “أخطر الجرائم”.
توسيع نطاق الاستخدام
على الرغم من هذه الوعود، سمحت وزارتها هذا الشهر للشرطة باستخدام التقنية في سبع مناطق جديدة.
عادة ما يتم وضع الكاميرات في شاحنات، ولكن من المقرر، وللمرة الأولى، أن يتم تثبيت كاميرات دائمة في منطقة كرويدون جنوب لندن الشهر المقبل.
ضمانات الشرطة
تؤكد الشرطة أن لديها “ضمانات قوية”، مثل تعطيل الكاميرات في حال غياب العناصر وحذف البيانات البيومترية لغير المشتبه بهم.
لكن هيئة حقوق الإنسان البريطانية قالت، الأربعاء، إن سياسة شرطة مدينة لندن في استخدام هذه التقنية “غير قانونية” لأنها “تتعارض” مع لوائح حقوق الإنسان.
مخاوف من الاستهداف الجائر
وجهت 11 منظمة، بما في ذلك “هيومن رايتس ووتش”، رسالة إلى قائد شرطة لندن تحثه فيها على عدم استخدام التقنية خلال “مهرجان نوتينغ هيل”، متهمة إياه بـ”الاستهداف الجائر” للمجتمع الأفريقي الكاريبي، ومسلطة الضوء على التحيزات العنصرية للذكاء الاصطناعي.
رفع شون تومبسون، وهو رجل أسود يبلغ من العمر 39 عاماً ويعيش في لندن، دعوى قضائية ضد الشرطة بعد أن تم التعرف عليه عن طريق الخطأ كمجرم بواسطة إحدى هذه الكاميرات.