مع برودة فصل الشتاء، يجد المسلم في أحكام الشريعة الكثير من الأمور التي تسهل عليه أداء شعائره وفرائضه الدينية، من بين هذه الأحكام “المسح على الخفين أو المسح على الجوربين” وهو الحكم الشرعي والرخصة الإلهية التي رخصها للمسلمين في كل الأوقات للتيسير عليهم.
فمن مظاهر التيسر في الشريعة الإسلامية، أنها أباحت للمسلم عند الوضوء أن يمسح على الخُفين أو على الجَوْرَبين دون أن ينزعهما ما داما قد لبسهما وفق الأحكام والشروط التي حددها الدين، فعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: كُنْتُ مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، فَأَهْوَيْتُ لأَنْزِعَ خُفَّيْهِ، فَقَالَ: «دَعْهُمَا، فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ»، فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا.. وروي عن المغيرة أيضا: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ».
أحكام المسح على الجوربين وشروطه
وأوضح مركز الأزهر العالمي للفتوى، أنه يُلحق بالخف -أي يأخذ نفس حكمه الشرعي- كل ما يتميز بخصائصه وصفاته، مثل الجوارب السميكة “الشراب أو الخِضْرَة وهما مصطلحين يستخدمان في بعض البلدان العربية للإشارة إلى الجورب”، وأيضا الأحذية مثل “البوت” وما شابه ذلك.
وبين المركز أنه يجوز لمن ارتدى خُفَّين أو جوربين من الرجال أو النساء، أن يمسح عليهما عند الوضوء، وألا يقوم بنزعهما لغسل قدميه، ولكن قبل أن يفعل ذلك، عليه أن يكون قد التزم بالشروط التاليه:
– يجب أن يكون الشخص قد ارتدى خُفَّيه أو جوربيه بعد وضوء كامل، حيث يكون قد قام بغسل رجليه إلى الكعبين.
– يجب أن يكون الخف أو الجورب طاهر وخاليا من أي نجاسة.
– كما يجب أن يكونا مباحين من مصدر حلال ومباح، فمثلا لا يصح المسح على خُفٍّ مسروق، أو جورب مصنوع من حرير للرجل.
– يجب أن يكون الخف أو الجورب ساتراً لمحل الفرض، بمعنى أنه يجب أن يُغطي الكعبين، فإذا كان الشخص يرتدي خُفًّا قصيرًا لا يُغطي عظمة القدم البارزة، فإن المسح عليه لن يكون صحيحًا.
– بالإضافة إلى ما سبق، يجب أن يكونا الخفين أو الجوربين سميكين، بمعنى أنهما يمنعان وصول الماء إلى بشرة جلد القدمين أثناء المسح.
– في حال كانت الخف أو الجورب أو الحذاء قصيرًا ولا يغطي مكان الوضوء على القدم -أي حتى العظمة البارزة في القدم-، فإنه لا يجوز المسح عليه.
طريقة المسح على الخفين
وعندما يرغب المسلم في مسح الخفين أو الجوربين، فإن يده تكون مبتلة بالماء دون تسييل -بمعنى أنها تكون ممسوحة من المياه أو قام بتنفيضها من المياه بعد أن ابتلت- وبعد ذلك يقوم بالمسح بيد اليمنى على الجزء الظاهر من قدمه اليمنى، من الأصابع إلى الساق مرة واحدة، دون لمس الجهة السفلى أو الخلفية من القدم، ثم يقوم بعمل نفس الشيء بيد اليسرى على قدمه اليسرى.
ويجوز للشخص المقيم في بلدته أو بيته (غير المسافر) أن يمسح خفيه يوم وليلة -أي 24 ساعة-، بحيث يبدأ في حساب المدة من أول حدث بعد الوضوء الذي قام فيه بغسل رجليه، وينتهي في نفس الوقت من اليوم التالي، والمقصود بالحدث هو عندما ينقض الشخص وضوءه.
أم الشخص المسافر، فيجوز له المسح على الخفين لمدة ثلاثة أيام بلياليها -أي لمدة 72 ساعة-، حيث تبدأ فترة المسح من أول حدث حتى نفس الوقت من اليوم الرابع، فقد “جَعَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ، وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ”.
ويصبح المسح على الخف باطلا، إذا انقضت المدة المحددة شرعًا أو إذا أصابت الشخص “الرجل أو المرأة” جنابة تستدعي الغسل.
وخلع الخف أو الجورب أو الحذاء الممسوح عليهم لا ينقض الوضوء، ولكن لا يجوز ارتدائهم والمسح عليهم مرة ثانية إلا بعد غسل القدمين، لأن نزعهم يُبطل المسح وليس الوضوء.
المسح على الشراب
من جانبه، قال الدكتور شوقي علام مفتي الديار المصرية، إن المسح على الخفين أو الجوربين من مظاهر التيسر في الشريعة الإسلامية، وأوضح أن المقصود بالمسح هو إمرار اليد المبتلَّة بالماء على الشيء دون تسييل للماء؛ والخُفُّ هو نَعْلٌ مصنوعٌ مِن الجلد يغطي الكعبين، والكعبان هما العَظْمَتان البارِزَتَان على جانِبَيِ القدم، والجَوْرَب هو ما يرتديه الإنسان في قَدَميهِ يُغَطِّيهما به للدِّفء ونحوه، سواء كان مصنوعًا مِن الصوفِ أو القُطْنِ أو الكِتَّانِ -وهو الشراب الذي يتم ارتداءه في القدم- أو غير ذلك.