السبت 20 سبتمبر 2025
spot_img

الفرات: صراع مسلح يقسم سوريا بعد الإطاحة بالأسد

spot_img

مع تصاعد التوتر وتصاعد وتيرة الاشتباكات، يقف نهر الفرات كخط تماس حاسم في سوريا، يفصل بين معسكرين مسلحين رئيسيين ويجسد رؤى مستقبلية متضاربة. الصحافيون قاموا برحلة مكثفة لكشف الحقائق على ضفتي النهر.

الفرات: خط مواجهة استراتيجي

على الضفة الغربية، تتمركز قوات الحكومة السورية، بينما تسيطر القوات الكردية على الجانب الشرقي، حريصة على الحفاظ على استقلالها. هذه المنطقة تشهد غياباً للقانون، حيث تسيطر فصائل مسلحة تسعى لتصفية حساباتها، مما يزيد من التوترات المحلية ويعيق آمال تحقيق الوحدة.

تصل المسافة بين القوات المتناحرة إلى 200 متر في أقرب نقطة، عند جسر ترابي في مدينة دير الزور المقسمة. مع اقتراب فريق الصحافيين، تلقت القوات المتمركزة على جانبي النهر أوامر بإغلاق الجسر، مما يعكس حالة التأهب والريبة المتبادلة.

حسابات القادة العسكريين

أحمد الهايس، قائد الفرقة 86 في الجيش السوري، يشرف على دير الزور من الضفة الغربية لنهر الفرات، بينما تتمركز سوزدار ديرك، القائدة في الكتائب النسائية الكردية، على الجانب الآخر. كلا القائدين يتخذان احتياطات أمنية مشددة ويعبران عن عدم ثقتهما المتبادل، مما يعكس عمق الخلافات.

الهايس، الذي يراقب الأراضي التي تسيطر عليها القوات الكردية، يشدد على أنهم ما زالوا تحت الاحتلال، في حين تؤكد ديرك استعداد قواتها للدفاع عن نفسها ضد أي هجوم. هذه التصريحات تعكس التوتر المستمر والاستعداد للمواجهة العسكرية.

توازنات القوى المتغيرة

بعد الإطاحة بالأسد في ديسمبر 2024، برز الطرفان كأقوى القوى في المنطقة. الفصائل المسلحة التابعة للحكومة السورية تسيطر على معظم المناطق غرب نهر الفرات، بينما يسيطر المسلحون الأكراد على المناطق الشرقية الغنية بالنفط والموارد.

الولايات المتحدة قامت بتدريب القوات الكردية، ولكن هناك مخاوف من تخلي الحلفاء الأميركيين عنهم. في الوقت نفسه، تجري مفاوضات متعثرة في دمشق لدمج القوات الكردية في الجيش السوري، لكن المؤشرات الميدانية تشير إلى استمرار الانقسام أو اندلاع مواجهة جديدة.

تصاعد الاشتباكات والتحركات العسكرية

الاشتباكات تتصاعد عبر خط المواجهة على نهر الفرات، حيث تشهد كل نقطة توترات مستمرة. القوات الكردية قتلت أحد أقارب قائد عربي، وردّاً على ذلك أرسل القائد رجالاً وأسلحة إلى الجبهة. تركيا شنت غارات جوية على مواقع كردية، والأكراد يحفرون أنفاقاً دفاعية جديدة.

بعد مرور شهور على الإطاحة بالأسد، تلاشت الآمال في انتقال سلمي للسلطة. المناوشات عند نهر الفرات تهدد بإشعال معركة أكبر، حيث يمتلك الجانبان عشرات الآلاف من المقاتلين المدربين والمجهزين.

المفاوضات المتوقفة

أحمد الشرع، المسؤول الحكومي، صرح بأن المفاوضات متوقفة بسبب تدخل أطراف دولية، مؤكداً أن سوريا لن تتنازل عن أي جزء من أراضيها. فرهاد شامي، المتحدث باسم “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، تساءل عن إمكانية تشكيل جيش سوري موحد يقوم على المواطنة والتعددية.

السوريون يخشون من أن يؤدي التدخل الخارجي والعنف بين الفصائل إلى دفع البلاد نحو صراع جديد. طارق، خريج كلية الهندسة العائد إلى دير الزور، يعبر عن شعوره بعدم الأمان وتمنيه لو لم يعد.

جبهة الشمال: صراع السد

عند منبع النهر، أشعلت الإطاحة بالأسد صراعاً كامناً وصل الآن إلى طريق مسدود بسبب تسرب المياه من سد على نهر الفرات. السيطرة على النهر تعتبر أساسية للقوة في المنطقة، حيث يمد تركيا وسوريا والعراق بالمياه والطاقة.

في ديسمبر، خاضت جماعات مدعومة من تركيا معارك مع القوات الكردية للسيطرة على أراض في شمال سوريا، وطردت الأكراد من مناطق غرب النهر وصولاً إلى سد تشرين. السلطات الكردية أعلنت عن مقتل المئات من مقاتليها ومدنييها في الاشتباكات.

توترات مستمرة وهجمات متبادلة

معتصم عباس، القائد في الفرقة 80، يقود نحو ألفي مقاتل في مناطق تمتد من حلب إلى نهر الفرات. يصف نظام الأسد وتنظيم “داعش” بأنهما ألد أعدائه، لكن خصومته مع “قوات سوريا الديمقراطية” تزايدت.

عباس يدعي أن القوات الكردية ترسل طائرات مسيرة للتجسس على قواته أو مهاجمتها، وتنفي السلطات الكردية شن أي هجمات. كما يحمل عباس ضغينة شخصية بسبب مقتل قريب له في اشتباكات مع الأكراد.

الدعم التركي والولاءات المتضاربة

مقر قيادة عباس محاط بتحصينات أمنية ويتنقل في سيارات مدرعة، وهو الآن يتبع رسمياً وزارة الدفاع في دمشق، لكنه لا يزال على ولاء قوي لتركيا التي تزود مجموعته بالأسلحة والذخيرة. تركيا تدفع أيضاً أجوراً شهرية للمقاتلين.

ظهور الفصائل المدعومة من تركيا وخلافها مع الأكراد يعود إلى الحرب الأهلية السورية، حيث عمدت دول غربية وتركيا إلى تسليح فصائل المعارضة. التوتر العرقي داخل تركيا امتد إلى شمال سوريا في ظل هدف تركي لطرد المسلحين الأكراد من الحدود.

الوضع قرب سد تشرين

بالقرب من البلدة التي قتل فيها قريب عباس، يأخذ مسلحون أموالاً من سائقي السيارات للسماح لهم بالمرور. عند سد تشرين، تتهم القوات الكردية الفصائل المدعومة من تركيا بقصفها، ويقول المهندسون إن السد يحتاج إلى إصلاح وتدفق منتظم للمياه من تركيا.

خليل قهرمان، القائد الكردي في الموقع، يشعر بمرارة من اضطراره إلى التراجع أمام الفصائل المدعومة من تركيا، ويؤكد استعداد قواته للقتال ضد جميع الأعداء لحماية السد. القوات الكردية تمتلك أسطول طائرات مسيرة، وتحفر شبكات أنفاق جديدة في التلال المحيطة بالسد.

جبهة الشرق: صراعات شخصية

في دير الزور، يشعر الهايس بضغينة تجاه القوات الكردية التي تسيطر على قريته، ويؤكد أنه سيقاتل بشدة لاستعادة الأراضي المحتلة. دير الزور تقع في الطرف الجنوبي الشرقي من الخط الفاصل الذي يمثله نهر الفرات، ولا يفصلها عن دمشق إلا صحراء منخفضة الكثافة السكانية.

الحكومة السورية عينت الهايس قائداً للفرقة 86 في الجيش السوري الجديد، مما يجعله مسيطراً على مساحة واسعة من الأراضي على طول نهر الفرات. الهايس يتهم القوات الكردية بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، وينفي ارتكاب قواته أي انتهاكات.

اتهامات متبادلة واستعداد للمواجهة

تعيين الهايس أثار غضب الأكراد، الذين يتهمونه بمساعدة أعضاء سابقين في تنظيم “داعش” على الانشقاق. الهايس يخطط لإضعاف القوات التي يقودها الأكراد في المناطق القريبة، ويأمل في تشجيع الانشقاق عن الكتيبة العربية التابعة لهم.

على مشارف الرقة، يجري حفر مزيد من الأنفاق، وتنقل الشاحنات الملاجئ الخرسانية الجاهزة باتجاه المدينة. ديرك، قائدة الكتيبة النسائية الكردية، تعتبر تعيين الهايس استفزازاً من الحكومة الجديدة، وتعبر عن قلقها من أن الحكومة السورية تعتزم انتزاع السيطرة على دير الزور والرقة والحسكة من القوات الكردية.

رؤى مستقبلية متباينة

فوزة يوسف ومسعود بطال يلتقيان على طاولة المفاوضات لتوحيد القادة تحت قيادة عسكرية واحدة ودمج الإدارة التي يقودها الأكراد في حكومة دمشق، تحت ضغط من واشنطن التي تدعو إلى سوريا موحدة.

الشرع يؤكد أنه لا بديل عن سوريا موحدة، لكن يوسف وبطال لديهما رؤى متباينة لبلدهما. بطال يتولى مسؤولية منطقة عفرين المحاطة بقواعد عسكرية تركية، ويرى في المنطقة التي يديرها الأكراد مشروعاً انفصالياً. يوسف لديها إيمان راسخ بالمساواة في الحقوق، لكن منطقتها تعاني أيضاً من رقابة أمنية مشددة.

اقرأ أيضا

اخترنا لك