الإثنين 17 نوفمبر 2025
spot_img

الفاشر تسقط.. وذكريات مجازر دارفور تعود للسودانيين

spot_img

في الذكرى العشرين لحرب دارفور، تتصاعد المخاوف مجدداً مع تجدد أعمال العنف، خاصة في الفاشر، ما يعيد إلى الأذهان الفظائع التي شهدها الإقليم مطلع القرن الحادي والعشرين، حيث يرى نازحون سودانيون أن الكابوس لم ينتهِ.

الفاشر.. ذكريات أليمة

مشاهد العنف المتصاعدة في مدينة الفاشر، عقب سيطرة “قوات الدعم السريع” عليها، تثير ذكريات مؤلمة عن المذابح التي شهدها الإقليم قبل عقدين من الزمن، وسط مخاوف من تكرار سيناريو القتل والنزوح.

في نهاية الشهر الماضي، أعلنت “قوات الدعم السريع” سيطرتها على الفاشر، آخر معاقل الجيش السوداني الرئيسية في دارفور، وتتواتر الشهادات عن إعدامات ميدانية وعنف جنسي وهجمات تستهدف عمال الإغاثة، إضافة إلى عمليات نهب وخطف.

تحذيرات أممية خطيرة

حذرت الأمم المتحدة من عمليات إعدام على أساس عرقي تُرتكب على يد “قوات الدعم السريع”، التي انبثقت مما كان يُعرف بـ “الجنجويد” خلال حرب عام 2003، ما يزيد من حدة المخاوف بشأن مستقبل الإقليم.

الباحث السوداني عبد الله ياسر آدم، المقيم في القاهرة، يعبر عن صدمته قائلاً: “أحياناً لا يمكنني تصديق أن ذلك يحدث مرة ثانية”، مضيفاً أن “الناس تموت دون أن تعرف لماذا… أشعر وكأنها نهاية العالم”.

قصص النزوح تتكرر

ينتمي آدم، البالغ 45 عاماً، إلى قبيلة الفور، التي تمردت على النظام السوداني مطلع الألفية، ما أدى إلى قمعها من قبل السلطة عبر تسليح الجنجويد، ويعيد الناجون من الهجوم على الفاشر قصصاً مماثلة.

خلال العقدين الماضيين، نزح ستة ملايين سوداني خارج البلاد، بينهم أربعة ملايين فروا منذ اندلاع الحرب الأخيرة بين الجيش و”الدعم السريع” في إبريل 2023، ما يفاقم الأزمة الإنسانية.

سيناريو مأساوي يتجدد

يستعيد آدم ذكريات الماضي قائلاً: “الطيران من فوق والجنجويد من تحت بالجمال والأحصنة والعربات يضربون ويحرقون القرية”، ويضيف: “كان ذلك يحدث بعد أن يستسلم الناس. كانوا يجرون والمسلحون وراءهم كأنها عملية صيد”.

اليوم، كما يقول، فالهجمات هي نفسها، لكن بأسلحة أكثر تطوراً، ما يزيد من الخسائر البشرية والمادية، ويعمق جراح الماضي.

“حميدتي”.. ودوره المتصاعد

يقود محمد حمدان دقلو (حميدتي) “قوات الدعم السريع”، بعدما برز دوره خلال الأعوام 2003-2008 في عهد الرئيس السابق عمر البشير، أثناء قمع تمرد قبائل مهمشة مثل الفور والمساليت والزغاوة والبرتي.

خلّفت تلك الحرب 300 ألف قتيل و2.7 مليون نازح، ووصفتها “المحكمة الجنائية الدولية” بالإبادة الجماعية، ما يجعله شخصية مثيرة للجدل.

إبادة لم تتوقف

ترى الشاعرة السودانية-الأميركية امتثال محمود، التي نجت طفلة من معارك بداية الألفية، أن إبادة دارفور “لم تتوقف أبداً”، مؤكدة أن “الأمر أصبح أكثر تعقيداً سياسياً، لكن القتل لم يتوقف”.

محمود تعتبر أن كلاً من الجيش و”الدعم السريع” ارتكب فظائع في الماضي، موضحة أن “الجيش كان يقصف قرانا بأكملها بينما ينتظر الجنجويد” لقتل الناجين.

ذكريات الطفولة المريرة

تتذكر محمود من طفولتها في الفاشر رؤية “الدخان يتصاعد من وسط المدينة” جراء قصف الجنجويد للأسواق والحشود، وتضيف: “كان علينا الاختباء. في ذلك اليوم اختبأت تحت الفراش مع أربعة آخرين… ورأيت أحذية الجنود تدخل… ورأيت دماءنا على أقدامهم”.

وفي اليوم نفسه شاهدت عمّها “ملطخاً بالدماء” بعدما تطوع لإسعاف الضحايا “وبدت هذه اللحظة كصورة مصغرة لكل ما سيأتي”، ما يعكس حجم المأساة.

الجيش والدعم السريع

يرى آدم أن الجيش وميليشيا الجنجويد “وجهان لعملة واحدة”، مؤكداً أنه ربما تبدلت الأدوار اليوم، “لكن الشعب السوداني لا يزال هو الضحية”، ما يعكس حالة اليأس والإحباط.

خلال النزاع الحالي، يُتهم الجيش بشن غارات جوية عشوائية وباستخدام أسلحة كيميائية، بينما تُتَّهم “قوات الدعم السريع” بعمليات قتل جماعي واغتصاب ونهب، ما يزيد من تعقيد المشهد.

تقسيم السودان يتفاقم

بعد سقوط الفاشر، أصبحت جميع عواصم ولايات دارفور الخمس تحت سيطرة “قوات الدعم السريع”، ما يدفع نحو تقسيم فعلي للسودان بين الجيش في الشمال والشرق، و”الدعم السريع” في دارفور وأجزاء من الجنوب.

يحذر مراقبون ومنظمات دولية من توسع رقعة القتال إلى مدن كردفان وخاصة منطقة جبال النوبة، ما ينذر بمزيد من العنف والنزوح.

كردفان.. دارفور أخرى؟

يقول كومان سعيد المقيم في أوغندا: “تاريخياً، يشبه الوضع (في كردفان) دارفور تماماً”، محذراً من مذبحة جديدة “مثل ما حدث في الفاشر” إذا سيطرت “قوات الدعم السريع” على مدينتَي الدلنج وكادوغلي في جنوب كردفان.

وفي دارفور، حيث شكّلت “قوات الدعم السريع” حكومة موازية، يقول السكان إن حياتهم بات يخيّم عليها الخوف، وسط اتهامات بارتكاب جرائم واسعة النطاق.

خوف ورعب مستمر

تُتَّهم هذه القوات بقتل ما يصل إلى 15 ألف مدني من قبيلة المساليت في الجنينة، عاصمة غرب دارفور، في أواخر عام 2023، ما يزيد من حدة التوتر العرقي.

ويقول عمر، الذي يتواصل مع أصدقاء له في نيالا ومدن أخرى “من المساليت مثلي”، إن هؤلاء “يعيشون في خوف من استهدافهم”، ما يعكس حالة الرعب التي يعيشها السكان.

اقرأ أيضا

اخترنا لك