السبت 1 نوفمبر 2025
spot_img

الصين تنتصر في جولة تجارية.. لكن التحديات باقية

spot_img

في خضم التنافس العالمي المحتدم، استحوذ لقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جينبينغ في بوسان، كوريا الجنوبية في 30 تشرين الأول، على اهتمام دولي واسع، وسط ترقب لما ستسفر عنه المحادثات بين القوتين.

لقاء قمة مرتقب

يُنظر إلى المنافسة بين الصين والولايات المتحدة على أنها حرب باردة جديدة، وصراع على الهيمنة يهدف إلى توسيع النفوذ المالي والتجاري والعسكري لكلا الطرفين في جميع أنحاء العالم. وبعد اللقاء، تصاعدت التحليلات والتعليقات حول الطرف المستفيد من المحادثات، مع ترجيح كفة شي جينبينغ في هذا الجولة.

دروس تاريخية

قبل قرنين من الزمان، واجهت بعثة اللورد ماكارتني العائدة من الصين إلى بريطانيا في عام 1793 انتقادات لاذعة، على الرغم من الاستقبال الرسمي المهيب والحفاوة الملكية والمجاملة المفرطة من الإمبراطور تشيان لونغ، إلا أنها عادت دون تحقيق أهدافها. يُعد هذا مثالًا مبكرًا على التحديات التي تواجه إقامة علاقات تجارية مع الصين.

مكاسب متبادلة

في 30 تشرين الأول الماضي، حصل الرئيس ترامب على وعود من بكين بتشديد الرقابة على مادة الفنتانيل، مقابل تعهده بخفض الرسوم الجمركية البالغة 20 في المائة إلى النصف على السلع الصينية. كما حصل على التزام بشراء 12 مليون طن متري من فول الصويا الأمريكي هذا العام، ورفع القيود المفروضة على تصدير المعادن النادرة.

تقييم الصفقة

على الرغم من أن “الصفقة الكبرى والجميلة” التي روج لها ترامب لم توقع، إلا أنه منح اللقاء علامة 12 من 10، معتبرًا أن استئناف الحوار بين القوتين العظميين بهدوء ونضج أمر إيجابي. ومع دخول الهدنة التجارية حيز التنفيذ، اتجهت الدولتان نحو مسار أكثر براغماتية.

تحليل معمق

المؤرخ البريطاني كيري براون يرى أن “غياب صفقة شاملة وملموسة لا يزال يمثل مشكلة؛ لأن الصين قادرة على إدارة العملية كلها، وفق جدولها الزمني، وبالأسلوب الذي تختاره. فالتنازلات التي قُدِّمت لم تكن في نهاية المطاف خطوطاً حمراء”.

نقاط القوة الصينية

بكين حددت نقطة ضعف حقيقية لدى الولايات المتحدة، فالمعادن النادرة هي أداة سبق أن استخدمتها الصين في نزاعها مع اليابان، ولكنها هذه المرة توظفها على نطاق أوسع مستفيدة مما يشبه احتكارها لهذه المعادن. الولايات المتحدة ليس لديها سوى خيارات محدودة، وستحتاج إلى سنوات طويلة لتعزيز قدراتها الإنتاجية الذاتية في هذا المجال.

مكاسب إضافية

إلى جانب خفض الرسوم الجمركية الأمريكية، نجح شي جينبينغ في انتزاع موافقة واشنطن على تجميد العمل بقاعدة جديدة كانت ستوسع قائمة الشركات الصينية المحظور عليها شراء التكنولوجيا الأمريكية الحساسة.

صدارة آسيوية

بقي الرئيس الصيني في كوريا الجنوبية وتصدر المشهد في قمة التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (آبيك)، مؤكدًا أن الصين هي “منارة للعولمة”، في إشارة إلى تغير ميزان القوى بين واشنطن وبكين.

نقاط الضعف الصينية

على الرغم من المكاسب التي حققتها الصين في الحرب التجارية، إلا أن هناك نقاط ضعف لا يمكن تجاهلها، فهي لا تزال بحاجة إلى الصادرات لتحريك نمو اقتصادها، وبالتالي لا يمكنها تحمل انهيار في التجارة العالمية.

الاعتماد المتبادل

هذه الحقيقة تضعف الادعاء بأننا نعيش حربًا باردة جديدة، إذ إن الحرب الباردة الأولى لم تتضمن أي اعتماد اقتصادي متبادل تقريبًا بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، وهذا ربما يفسر قبول الطرفين بنوع من الهدنة.

تحديات اقتصادية

أصعب التحديات الاقتصادية التي تواجهها الصين يكمن في “إعادة التوازن إلى الاستهلاك المحلي”، وإذا نجح القادة الصينيون في رفع الاستهلاك الأسري إلى 50 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2035، فإنهم سينعمون حينذاك بالأرضية اللازمة لاحتلال المرتبة الأولى في سلم ترتيب الاقتصاد العالمي قبل الولايات المتحدة.

تجاوز فخ الدخل

يشير نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي الذي بلغ 13 ألفًا و660 دولارًا في عام 2024 إلى أن الصين تمكنت من “تجاوز فخ الدخل المتوسط”. إلا أن الناتج المحلي الإجمالي للصين آخذ في التراجع مقارنة بالناتج الأميركي، وهو اتجاه سيكون من الصعب عكسه بسبب العوامل الديموغرافية غير المناسبة.

مشاكل هيكلية

بعد 13 عامًا من ترسيخ شي جينبينغ لسلطته، لا يزال يلعب لعبة لا تنتهي من مطاردة الخصوم، ويتجلى ذلك في حملته الأخيرة التي أطاحت بتسعة من كبار القادة العسكريين.

حكم الخوف

يرى الباحث الهندي براهما شيلاني أن نزعة شي إلى الارتياب تولد التزلُّف والقلق بين نُخَب الصين، مما يضعف الحوكمة الرشيدة، ويربك التخطيط والقيادة العسكرية، ويثير الخوف بين رؤساء الشركات في القطاع الخاص، وبالتالي يجعل حكمه أقل استقرارًا.

صراع مستمر

صعود الصين يترافق مع مشكلات هيكلية عميقة، من بينها تباطؤ النمو الاقتصادي، وارتفاع معدلات بطالة الشباب، وتقدم السكان في السن، وتراجع أعدادهم. وفي النهاية، يبدو أن شي جينبينغ لا يستطيع أن يحكم إلا من خلال الخوف.

تجنب الحرب

في الختام، يمكن القول إن الصين كسبت جولة في النزال التجاري مع الولايات المتحدة، ولكن الصراع الجيوسياسي والجيو- اقتصادي مستمر، مع أهمية تجنب الوقوع في “فخ ثيوسيديديس” الذي يصف النزعة نحو اندلاع الحرب عندما تهدد قوة صاعدة بإزاحة قوة مهيمنة قائمة.

اقرأ أيضا

اخترنا لك