شدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على التزام مصر بتحقيق مستوى سكني آمن لمواطنيها، حيث أكد أن الدولة لن تدع أي مستحق يعيش في قلق دائم بشأن مسكنه.
تحولات سوق العقارات
تأتي تصريحات السيسي في ظل تحول كبير يشهده السوق العقاري المصري، والذي يعاني من فجوة متزايدة بين أسعار الوحدات السكنية والقدرة الشرائية للمواطنين. وفي هذا السياق، يتطلب الوضع تدخلاً حكومياً عاجلاً لمواجهة التحديات الحالية.
وفي حديث خاص مع رئيس شركة “جولدين كي إيجي“، محمد خالد، أشار إلى الارتفاع الملحوظ في أسعار العقارات، حيث تراوحت هذه الزيادة بين 30% و50% خلال العامين الماضيين. وقد تجاوز متوسط سعر المتر المربع في المشاريع الراقية 50 ألف جنيه، بينما لا يتجاوز متوسط الدخل الشهري للفرد 10 آلاف جنيه.
فجوة سكنية ملحوظة
تظهر الأرقام مفارقة واضحة في سوق الإسكان المصري، حيث يوجد فائض يقدر بنحو 500 ألف وحدة سكنية فاخرة غير مباعة، بينما يعاني قطاع الوحدات متوسطة التكلفة من نقص شديد. وتشير الإحصاءات إلى أن 60% من الشباب تحت سن 35 عاماً يحتاجون إلى سكن، ولكن 15% فقط قادرون على شراء شقة في الظروف الحالية.
تتعدد أسباب هذه الأزمة، وفي مقدمتها أزمة العملة الصعبة التي أثرت على تكلفة استيراد مواد البناء الأساسية مثل الحديد والأسمنت. كما أدى احتكار الأراضي من قبل كبار المطورين إلى تفاقم المشكلة، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الفائدة على القروض العقارية، حيث تصل في بعض البنوك إلى 18%، مما يجعلها غير متاحة للغالبية العظمى من المواطنين.
استراتيجيات للتغلب على الأزمة
في مواجهة هذه التحديات، بدأت بعض التحركات من الجهات المعنية. حاول المطورون العقاريون تقليل تأثير الركود عبر تقديم خصومات تصل إلى 20% وطرح نظام تقسيط يمتد لسبع سنوات. كما ظهر اتجاه لبناء وحدات أصغر مساحة لجذب شريحة أكبر من المواطنين. وفي نفس السياق، أطلقت الحكومة مبادرات مثل “سكن للجميع” و”دار مصر” لدعم ذوي الدخل المحدود.
على صعيد المواطنين، لوحظ اتجاه متزايد نحو الإيجار طويل الأمد بدلاً من الشراء، مع انتقال بعض الأسر من المدن الجديدة ذات التكلفة العالية إلى المناطق العمرانية القديمة ذات الأسعار المعقولة.
حلول مستقبلية
أكد خالد أنه يجب اتباع استراتيجيات متعددة لمعالجة الأزمة. ظاهرياً، يمكن تجميد أسعار مواد البناء من خلال دعم حكومي، وإعادة هيكلة نظام التمويل العقاري عبر خفض أسعار الفائدة، وفرض ضرائب تصاعدية على الوحدات الشاغرة.
على المدى البعيد، تحتاج الحلول إلى تطوير تشريعات سوق الإيجار، وبناء مدن جديدة متكاملة الخدمات، وتفكيك احتكار الأراضي، مع التركيز على نمط البناء الرأسي.
الرؤية المؤسسية
لا يمكن تجاهل الجانب المؤسسي في معالجة الأزمة، حيث تشمل المقترحات إنشاء هيئة وطنية للإسكان وتطبيق اللامركزية في إدارة ملف الإسكان. إن تجاهل معالجة هذه الأزمة يمكن أن يؤدي لاحتمالات حدوث أزمات سيولة بين المطورين وانهيار جزئي للسوق، بالإضافة إلى توسع العشوائيات.
اختتم خالد حديثه بالتأكيد على أن حل أزمة الإسكان في مصر يتطلب إرادة سياسية حقيقية وتوازن دقيق بين مصالح المطورين واحتياجات المواطنين. فهناك إمكانيات كبيرة لحل هذه الأزمة إذا تم التعامل معها كقضية أمن قومي وتطبيق الإصلاحات اللازمة في توزيع الأراضي وآليات التمويل العقاري.