في تحقيق استقصائي مشترك، كشفت شبكة “سي إن إن” ومركز “Lighthouse Reports” عن أدلة دامغة تشير إلى تورط الجيش السوداني في استهداف ممنهج للمدنيين، على أسس عرقية، في ولاية الجزيرة، مما يفاقم الأزمة الإنسانية المتفاقمة في البلاد.
تأتي هذه التقارير في ظل نزاع مسلح أودى بحياة ما يقدر بنحو 150 ألف شخص، وتسبب في نزوح حوالي 12 مليون آخرين.
فظائع عرقية
التحقيق يكشف عن “فظائع ذات دوافع عرقية” يرتكبها الجيش السوداني وحلفاؤه، مشيراً إلى أن هذه الفظائع بلغت مستويات غير مسبوقة في الأسابيع الأخيرة، إلى جانب انتهاكات مماثلة من قبل قوات الدعم السريع.
يركز التحقيق على عمليات القوات المسلحة السودانية خلال استعادتها لمدينة ود مدني الاستراتيجية والمناطق المحيطة بها في ولاية الجزيرة في بداية العام الجاري.
تحقيقات معمقة
شمل التحقيق مراجعة مئات مقاطع الفيديو، وتحليل صور الأقمار الاصطناعية، وتتبع المبلغين عن المخالفات، وإجراء مقابلات مع الناجين على أرض الواقع في السودان.
أظهرت النتائج أدلة على أن العملية العسكرية اتسمت بالعنف العرقي، والقتل الجماعي للمدنيين، وإلقاء الجثث في القنوات والمقابر الجماعية.
أوامر عسكرية
أكدت مصادر متعددة لـ”CNN” و”Lighthouse Reports” أن أوامر هذه الحملة صدرت عن قيادة القوات المسلحة السودانية، في حين لم تتلق الشبكة أي رد من الجيش السوداني على طلبها للتعليق على هذه الادعاءات.
وصف أحد أعضاء بعثة الأمم المتحدة المستقلة لتقصي الحقائق في السودان أعمال القوات المسلحة السودانية بأنها “إبادة جماعية ممنهجة”، قد ترقى إلى “تطهير عرقي”.
“انتهاكات فردية”
في يناير الماضي، أدان الجيش السوداني ما وصفها بـ”الانتهاكات الفردية” بعد استعادة ود مدني، وأعلن عن فتح تحقيق في الهجمات، وسط اتهامات واسعة النطاق باستهداف المدنيين.
في مقاطع فيديو لعمليات الجيش السوداني، يصف الجنود من يستهدفونهم بأنهم “متعاونون” مع قوات الدعم السريع، وهو ما اعتبرته جوي نغوزي إيزيلو، عضوة بعثة الأمم المتحدة، “اتهامًا لا أساس له من الصحة” يُستخدم لتبرير الهجمات ذات الدوافع العرقية.
جثث في المياه
في منطقة بيكة، أفاد شهود عيان بأن مقاتلين قتلوا أشخاصًا اتهموهم بالتعاون مع “الدعم السريع”، وألقوا بجثثهم في الماء، بينما ألقوا بآخرين أحياء.
بعد أيام قليلة، ألقى قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، خطاب “النصر” أمام مجموعة من الجنود تحت جسر بجوار الممر المائي في بيكة.
خطاب البرهان
في خطابه بتاريخ 16 يناير، تفاخر البرهان بأن جيشه شن هجومًا على مقاتلي قوات الدعم السريع في الموقع نفسه، وهو هجوم تم توثيقه في مقطع فيديو نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي.
في الأيام والأسابيع التي تلت تقدم القوات الحكومية نحو ود مدني، بدأت الجثث تطفو على سطح الماء، وتُظهر مقاطع فيديو ما لا يقل عن ثماني جثث عالقة في الماء، جميعهم إما عراة أو يرتدون ملابس مدنية، وأحدهم على الأقل مقيد اليدين خلف ظهره.
تحليل الأدلة
وقال لورانس أوينز، عالم الأنثروبولوجيا الشرعية، إن الضحايا يبدو أنهم توفوا منذ حوالي أسبوع، وهي فترة زمنية تتوافق مع حملة القوات المسلحة السورية للسيطرة على المنطقة.
كما كشفت صور الأقمار الاصطناعية التي التقطت في مايو عن عشرات الجثث الأخرى التي تم التخلص منها في القناة في منطقة بيكة.
استهداف عرقي
خلال حملة القوات السودانية لاستعادة ود مدني، اتضحت طبيعة العنف ذي الدوافع العرقية، حيث استهدفت الهجمات في معظمها أشخاصا من أصول غير عربية، بمن فيهم سكان منطقة دارفور الغربية، وما يُعرف اليوم بدولة جنوب السودان.
قال ضابط في الجيش السوداني إن التعليمات كانت تقضي بإطلاق النار فورا على كل من بدا أنه من النوبة، أو من غرب السودان، أو من جنوبه، وأكد قائد استخباراتي رفيع المستوى أن الجنود أطلقوا النار على مئات الأشخاص الذين خرجوا للاحتفال بوصولهم، واصفا الضحايا بأنهم من جنوب السودان.
“جسر الشرطة”
في فجر يوم 12 يناير، اندلع قتال عنيف عند جسر الشرطة، وخلاله بدا أن الجنود قد ألقوا القبض على أعضاء قوات الدعم السريع الفارين.
أظهرت مقاطع الفيديو جثثا متناثرة، يرتدي أفرادها مزيجا من الزي العسكري الخفيف الذي ترتديه قوات الدعم السريع والملابس المدنية.
إعدامات واضحة
رصدت مقاطع فيديو عمليات إعدام واضحة لرجال عُزّل يرتدون ملابس مدنية، وفي اليوم التالي، تم إخلاء الطريق من المركبات المحترقة والجثث.
أظهرت مقاطع فيديو من نفس الموقع جثث ما لا يقل عن 50 شابا، جميعهم يرتدون ملابس عادية، وكثير منهم حفاة، دون وجود أي أسلحة ظاهرة، ويبدو أن العديد منهم قُتلوا حديثا، حيث توجد آثار طلقات نارية واضحة في الرأس.
هجمات الكنابي
تشير التقارير إلى أن ما حدث على طول الطريق المؤدي إلى ود مدني جزءٌ من نمط تكتيكي أوسع تستخدمه القوات المسلحة السودانية وقواتها التابعة لها.
في الأشهر التي أعقبت استعادة المدينة، شنّ الجنود أيضا هجمات واسعة النطاق على شعب الكنابي، وهم مجتمع غير عربي مهمّش يعاني من محدودية فرص السكن والتعليم.
ميليشيا مسلحة
في قرية طيبة، أطلقت قوات درع السودان، وهي ميليشيا موالية للقوات المسلحة السودانية، النار على المدنيين وأضرمت النيران في المنازل، وأفاد ضابط من القوات المسلحة السودانية بأنه شاهد مقاتلي قوات درع السودان يطلقون النار على مدنيين، بينهم كبار السن والنساء والأطفال.


