أزمة اقتصادية تلوح في الأفق، حيث أعلن المصرف المركزي الليبي في طرابلس عن تجاوز الدين العام المحلي حاجز الـ 284 مليار دينار ليبي. هذا التراكم، الذي امتد على مدار 11 عامًا، يراه خبراء اقتصاديون بأنه فاتورة باهظة للانقسام السياسي الذي تعيشه البلاد.
أعباء الدين على المواطنين
تتجسد تداعيات هذه الديون المتراكمة على حياة المواطنين بشكل مباشر، حيث يشير رئيس المؤسسة الوطنية للإعلام في طرابلس إلى اضطرار العديد من الليبيات لبيع مقتنياتهن الذهبية لتلبية الاحتياجات الأساسية. هذا الواقع المرير يعكس حجم الضغوط الاقتصادية التي تواجهها الأسر الليبية.
يؤكد الخبير المالي خالد الزنتوتي، بناءً على حساباته، أن كل مواطن ليبي مدين بما يقارب 40 ألف دينار ليبي. هذا يعني أن العائلة المكونة من خمسة أفراد تتحمل دينًا يناهز 200 ألف دينار ليبي.
تحرك برلماني لمواجهة الأزمة
وسط هذه المخاوف المتزايدة، بادر مجلس النواب الليبي في الشرق إلى إقرار قانون لتسوية الدين العام حتى نهاية شهر مايو الماضي. جاء ذلك في ختام جلسة شهدت اعتراضات برلمانية واسعة، مما يعكس عمق الخلافات حول كيفية التعامل مع هذه الأزمة.
الانقسام السياسي وتفاقم الديون
يُجمع المراقبون على أن الانقسام السياسي يمثل المتهم الرئيسي في تفاقم أزمة الدين العام في ليبيا. حيث يؤكد رئيس لجنة المالية بمجلس النواب أن القانون يتعلق بالديون المتراكمة على الحكومات لدى المصرف المركزي والمصارف منذ عام 2014.
يلقي اقتصاديون باللوم على الانقسام السياسي في هذا التراكم، مؤكدين أن كل طرف سياسي يفسر الدين العام ويحدد آليات الحصول عليه بشكل منفصل. ويرى البعض أن هذا التراكم غير قانوني ومخالف للمعايير الدولية، خاصة مع ارتفاع الدين بنسبة 50% خلال سنتين فقط.
غياب خطط السداد
تلجأ الحكومات عادةً إلى الاقتراض من المصارف لمواجهة العجز في الإيرادات العامة. إلا أن الوضع في ليبيا اتجه نحو الإنفاق الاستهلاكي دون خطة واضحة للسداد أو ضبط للإنفاق، مما أدى إلى تفاقم الأزمة.
قيود على الاقتراض
لمواجهة هذا المأزق، حظر القانون البرلماني الجديد على الخزانة العامة الاقتراض من الداخل أو الخارج، أو إصدار صكوك جديدة. كما تقرر خصم 3% من إيرادات النفط والغاز والضرائب لصالح المصرف المركزي.
مراجعة وتدقيق ضروريان
يرى محللون اقتصاديون أن هذه الإجراءات غير كافية، حيث يؤكد الخبير الاقتصادي عمر زرموح على ضرورة مراجعة وتدقيق أرقام الدين العام من قبل جهات محايدة، مع تحميل المسؤولية للمخالفين وإعلان ذلك للشعب.
يتفق الزنتوتي مع هذا الرأي، مؤكدًا أن ما تم إقراره في البرلمان غير كافٍ في ظل وجود حكومتين وعدم توحيد الجسم السياسي والرقابي للدولة. ويخشى من استمرار نمو الدين العام بشكل مخيف.
غياب التوافق الوطني
انتقد عضو المجلس الرئاسي عبد الله اللافي القانون الجديد، معتبرًا أن غياب التوافق الوطني هو ما يثقل كاهل الليبيين، وليس الأرقام في دفاتر الموازنات.
أرقام الدين العام
تشير الأرقام الرسمية إلى أن القيمة الإجمالية للدين العام بلغت 284 مليارًا و191 مليونًا و418 ألفًا و884 دينارًا ليبيًا حتى نهاية شهر مايو 2025. وتشمل هذه الالتزامات سندات وأذونات وسلف مؤقتة وقروضًا ورصيد الحساب المكشوف.
غموض يكتنف الاجتماعات
وسط هذه التطورات، يحيط الغموض بمخرجات اجتماع مغلق بين رئيس مجلس النواب ومحافظ المصرف المركزي لمناقشة ملفات مالية، من بينها الدين العام. ولم يتسن الحصول على تعليق من مسؤولي المصرف المركزي.
حلول ترقيعية
يحذر المحلل السياسي محمد الأمين من الاعتماد على الحلول الترقيعية والرهان على النفط وحده، مؤكدًا على الحاجة إلى إرادة سياسية لبناء اقتصاد منتج وإصلاح جذري لمالية الدولة.
“مسرحية إدارة الإفلاس”
يخشى الأمين من أن يكون التحرك الجديد للبرلمان والمصرف المركزي مجرد “مسرحية إدارة الإفلاس”، في ظل استمرار الأزمة السياسية والاقتصادية في البلاد.
إشارة إيجابية محدودة
على الرغم من الصورة القاتمة، يرى الزنتوتي إشارة إيجابية محدودة، وهي أن الدين العام المحلي بالدينار الليبي أخف وطأة من الدين العام الخارجي بالعملة الصعبة.