في مشهد تاريخي لم تشهده مصر من قبل، اجتمع الشعب المصري على طاولة الحوار الوطني المصري، بلا خطوط حمراء وبحرية مطلقة، للتعبير عن إرادته الحرة، وسعيا منه لبناء حاضر ومستقبل جمهوريته الجديدة؛ الجمهورية التي تنبثق من خلال تلاقي الأفكار وتحقيق التوافق، وتتسم بالازدهار والتقدم والشمولية والعدالة والديمقراطية، إنها الجمهورية التي لكل مواطن فيها دور فاعل في تحديد مسار مستقبله ومستقبل الوطن.
البداية.. كانت بدعوة الرئيس للحوار
البداية كانت في مساء يوم الثلاثاء الموافق 26 أبريل 2022، خلال حفل إفطار الأسرة المصرية؛ عندما دعا الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية، إلى عقد حوار وطني شامل يدور بين كافة أطياف الشعب حول أولويات العمل الوطني، حيث كلف -في مساء ذلك اليوم- القائمين على المؤتمر الوطني للشباب بإدارة هذا الحوار السياسي مع قوى المجتمع المختلفة بلا استثناء أو تمييز، ورفع مخرجات وتوصيات الحوار إليه بشكل شخصي، لتحويل هذه التوصيات وتلك المخرجات الناتجة عن الحوار إلى سياسات فعلية أو قرارات أو مشروعات لقوانين، كل على حسب طبيعته.
عقب دعوة الرئيس بدأت الأعمال التحضيرية للحوار الذي تم التوافق من مختلف القوى السياسية على تسميته بـ”الحوار الوطني“، وعليها تم اختيار ضياء رشوان نقيب الصحفيين -في ذلك الوقت 8 يونيو 2022- منسقًا عامًا للحوار، ثم جاء قرار إصدار تشكيل وتأسيس مجلس أمناء الحوار الوطني في 5 يوليو 2022، وذلك بعد جولة من المشاورات التي قام بها المنسق العام مع القوى المجتمعية والتيارات السياسية المختلفة والتي انتهت بالتوافق على اختيار 19عضوًا بالمجلس.
مرجعية الحوار الوطني المصري
وحدد مجلس الأمناء في اجتماعه الأول مرجعيته الحاكمة التي تقوم على أساس: الالتزام بالدستور، واستبعاد أي قوى قامت بممارسة العنف أو شاركت فيه أو حرضت عليه، وبدأ المجلس مع أطياف المجتمع المختلفة في بحث القضايا التي سيتم مناقشتها حيث تم تحديد 113 قضية تم توزيعها على ثلاث محاور رئيسية، “المحور السياسي والمحور المجتمعي والمحور الاقتصادي”، ومن ثم تم تقسيم كل محور إلى عدد من الجان، وجرت كل هذه التحضيرات تمهيدا لبدء الجلسات الفعلية للحوار بهدف الوصول إلى مخرجات وتوصيات عملية تعود بالنفع على الوطن والمواطن.
المرحلة الأولى للحوار
وانطلقت المرحلة الأولى من جلسات الحوار الوطني المصري في مايو 2023، بمشاركة واسعة من مختلف القوى السياسية والنقابية والمجتمعية والشخصيات العامة والخبراء وممثلي فئات المجتمع المختلفة، في حوار عبر عن كافة الآراء، وعلى طاولة واحدة تمتع فيها الجميع بفرص متساوية وسط مساحات مشتركة من النقاش في مختلف القضايا والملفات التي ترسم الطريق نحو الجمهورية الجديدة.
واستمرت المرحلة الأولى من الجلسات حتى 19 سبتمبر، ناقش خلالها “الحوار الوطني” عدد من القضايا المختلفة في المحاور الثلاثة، وذلك على مدار 90 جلسة دامت 347 ساعة عمل، منها 16 جلسة مغلقة و74 جلسة عامة، تحدث فيها أكثر من 2630 متحدث، بمشاركة أكثر من 60 حزبا، وانتهى منها بالخروج بـ135 توصية تم رفعها إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية.
المرحلة الثانية: الحوار الاقتصادي
ثم جاءت المرحلة الثانية، في فبراير الماضي، لتناقش بشكل أعمق الأوضاع الاقتصادية، حيث عقد الحوار الوطني، 12 جلسة متخصصة ومكثفة على مدار أربعة أيام، بحضور عدد من الوزراء المعنيين وممثلي الحكومة والخبراء والمتخصصين، ممن عكفوا على العمل لبحث الوضع الاقتصادي ومحاولة إيجاد مسارات فاعلة لمواجهة تحديات التضخم والأسعار لتخفيف العبء على المواطنين، وذلك استجابة لدعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وخرجت هي الأخرى بعدد من التوصيات والحلول العاجلة التي تم رفعها إلى الرئيس، تمهيدا لتحويلها إلى الحكومة والجهات التشريعية.
وشكلت الحكومة ممثلة في مجلس الوزراء بالتعاون مع مجلس أمناء الحوار الوطني، لجنة مشتركة لمتابعة آليات تنفيذ مخرجات الحوار الوطني، والتي بلغت 135 توصية في المرحلة الأولى للحوار، وبالفعل استجابت الحكومة إلى عدد من التوصيات بشكل سريع، وأشاد مجلس الأمناء بهذه التوصيات التي أخذت الحكومة قرارات بشأنها مؤخراً بالفعل، من بينها على سبيل المثال، تشكيل المجلس الأعلى للضرائب.
طلعت عبد القوي: الجهود منصبة حاليا على تفعيل التوصيات.. واللجنة المشتركة تتابع آلية التنفيذ
وفي هذا الإطار، أكد د. طلعت عبد القوي، عضو مجلس أمناء الحوار الوطني، أن الجهود الحالية منصبة على تفعيل توصيات المرحلة الأولى من الحوار الوطني والتي تم إحالتها إلى الجهات المعنية في مجلس الوزراء، وكذلك توصيات المرحلة الثانية المتعلقة بالمحور الاقتصادي، مشيرا إلى أن اللجنة المشتركة والتي تم تشكيلها مسؤولة عن متابعة آلية تنفيذ هذه التوصيات وتنسيق جهود الوزارات المعنية في تنفيذها، حيث سيتم عقد اجتماعات مشتركة مع ممثلي الوزارات المختلفة بحضور ممثل لرئيس مجلس الوزراء، لبحث وتنسيق الجهود وضمان تفعيل التوصيات في كل مجال اختصاصي، وأوضح أن مجلس الوزراء حدد 3 أشهر كإطار زمني لذلك.
40 توصية تم تنفيذها حتى الآن
وأشار طلعت عبد القوي، إلى أن مخرجات المرحلة الأولى من الحوار بلغت 135 توصية، بعضها سيصبح تشريعات وقوانين والبعض الآخر قرارات وسياسات، لافتا إلى أن الحكومة استجابت بالفعل لنحو 40 توصية من التوصيات وقامت بتنفيذها، منها على سبيل المثال في المحور الاقتصادي: تشكيل المجلس الأعلى للضرائب، وتوصيات متعلقة بالأسعار وحماية المستهلك والرقابة على الواردات والصادرات، هذا إلى جانب توصيات أخرى متعلقة باللجنة الثقافية تم البدء في تنفيذها مثل دعم الحرف التراثية، مؤكدا أن هناك استجابة جيدة من الحكومة لعدد كبير من التوصيات حتى الآن.
وأوضح أن الحوار الوطني نقل صورة حية لمطالب المواطنين في القضايا المختلفة سواء السياسية أو المجتمعية أو الاقتصادية، وتم استطلاع رأي الخبراء والمتخصصين في كافة هذه القضايا، بجانب القوى السياسية والحزبية، حيث تميزت كافة المناقشات بروح الديمقراطية، وانتصر جميع المشاركين في الحوار للمصلحة العليا للوطن ولتحقيق مستقبل أفضل لجميع المصريين، إذ لم تكن هناك أي خطوط حمراء، وفتحت جميع الملفات على طاولة الحوار، بما في ذلك ملف المحبوسين احتياطياً واستجاب الرئيس السيسي بسرعة وبلا تردد بالإفراج فورًا عنهم.
الحوار مستمر
وقال إن الحوار الوطني مستمر في تحقيق أهدافه، ولم يتوقف، وهو ما أكده الرئيس بنفسه خلال حفل إفطار الأسرة المصرية الأخير في رمضان الماضي، حيث وجه الرئيس باستكمال وتعميق الحوار الوطني ليكون حالة حوارية بين كافة فئات الشعب، مؤكدا أن الحوار أصبح منهجا لدولة، وهو ما يطمئن الناس بأن الحوار الوطني ليس مرتبطا بمناسبة أو حدث وإنما أصبح أسلوب حياة، وأسلوب إدارة للدولة، لافتا إلى أن المرحلة القادمة ستكون هناك دعوة لبحث الملفات التي لم يتم مناقشتها بعد.
الأحزاب في مصر
من جانبها أشادت الأحزاب المصرية بالحالة المجتمعية والسياسية التي أوجدها الحوار الوطني كونه حدث غير مسبوق في تاريخ مصر.
تيسير مطر رئيس حزب إرادة جيل
أكد تيسير مطر، أمين عام تحالف الاحزاب المصرية ورئيس حزب إرادة جيل، أن الحوار الوطني نجح في توحيد القوى السياسية من أجل المصلحة الوطنية، موجها الشكر للرئيس عبد الفتاح السيسي لدعوته لهذا الحوار واستجابته السريعة لعدد كبير من التوصيات، لافتا إلى أن الحوار يتعلق بمصير ومستقبل الدولة المصرية، لذا فإنهم كحزب وكتحالف قدموا مشاكل ومقترحات ملموسة من على أرض الواقع وحلولا واقعية لمختلف القضايا.
جمال التهامي حزب حقوق الإنسان والمواطنة
واعتبر المستشار جمال التهامي، رئيس حزب حقوق الإنسان والمواطنة، أن الحوار الوطني بمثابة قُبلة الحياة بالنسبة للشعب المصري، مشيرا إلى أنه عندما دعا الرئيس لحوار وطني يضم كافة أطياف المجتمع والشعب، بما في ذلك الأحزاب السياسية، سارعوا للمشاركة والاستجابة من أجل تحقيق التنمية والازدهار والتقدم، ذلك أن المشاركة في الحوار الوطني تشكل بداية حقيقية لمرحلة جديدة.
خالد فؤاد رئيس حزب الشعب الديمقراطي
وأضاف خالد فؤاد، رئيس حزب الشعب الديمقراطي، أن الحوار الوطني بادرة إيجابية من الدولة، ومن الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي يلعب دورا مهما في فتح آفاق جديدة للعمل السياسي في مصر، وهو وسيلة لبناء الجمهورية الجديدة، مشيرا إلى أن الحوار الوطني من وجهة نظر حزب الشعب الديمقراطي يمثل هيئة تأسيسية مهمتها وضع الأسس التي يمكن بناء الجمهورية الجديدة عليها.
هشام عناني رئيس حزب المستقلين الجدد
وأكد هشام عناني، رئيس حزب المستقلين الجدد، أن الحوار الوطني جاء في توقيت مهم للغاية، في ظل أزمات عالمية ومحلية، تهدد الأمن القومي المصري، وهو ما دفع الجميع إلى اصطفاف وطني حقيقي حول هدف واحد وهو رفعة الوطن وحمايته، لذا كانت المشاركة كثيفة من مختلف ألوان الطيف السياسي والمجتمعي، وهذا يجعلنا نقول إن الحوار الوطني ركن مهم في دعم الانتقال للجمهورية الجديدة، خاصة أنه يتضمن خطوط عريضة وتحديد أولويات العمل الوطني في المرحلة القادمة في كافة الملفات السياسية أو الاقتصادية أو المجتمعية.
عصام خليل رئيس حزب المصريين الأحرار
وشدد عصام خليل، رئيس حزب المصريين الأحرار، أن الحوار الوطني حدث غير مسبوق في تاريخ مصر، معربا عن شكره وتقديره للرئيس السيسي الذي دعا إلى هذه المشاركة الواسعة، وتبنى مبدأ الحوار الوطني لتكوين الجمهورية الجديدة بمختلف رؤاها وأفكارها، مشيرا إلى أن هذا المسار يعد فرصة حقيقية لتحقيق الوحدة والتضامن بين جميع الفئات والأطياف الوطنية.
النائب عمرو درويش عضو مجلس النواب
وأضاف النائب عمرو درويش، عضو مجلس النواب عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، أن الحوار الوطني تميز بالمشاركة الواسعة من مختلف التيارات السياسية والحزبية وأيضا من المتخصصين في مجالات الاقتصاد والاجتماع، وترحيب قوى المعارضة، لذا فإننا في مصر شهدنا حواراً منتجاً ومتنوعاً، وللمرة الأولى، نرى مشاركة فعّالة للشباب والمرأة في مناقشات وآليات حقيقية على طاولة الحوار، لافتا إلى أن حالة الحوار ذاتها مكسب كبير لمصر، فهي تعزز تماسك الجبهة الداخلية.