التعدي على الأراضي الزراعية جريمة كبرى في حق الإنسان والوطن، لأنه تعدي على أحد أهم ثروات البلاد، خاصة وأن هذه الأراضي تُشكل الأساس الحيوي لإنتاج الغذاء وضمان استدامته للأجيال الحالية والمستقبلية، ومع تزايد التحديات البيئية والسكانية فإن حماية الرقعة الزراعية ضرورة مهمة لحماية الإنسان، لأن التعدي عليها لا يهدد فقط الأمن الغذائي للدولة وإنما يُعرض مستقبل الأجيال القادمة للخطر.
التعدي على الأراضي الزراعية.. خطر!
لأهمية وضرورة الحفاظ على الأراضي الزراعية، حذر علاء فاروق، وزير الزراعة في مصر، من خطورة التعدي على الأراضي الزراعية، مشددًا على ضرورة التصدي لتلك التعديات بكافة السبل المتاحة، وهو الأمر الذي يتطلب توعية المواطنين بأهمية هذه الأراضي ومنع تبويرها أو استخدامها في البناء.
وأكد وزير الزراعة المصري، أن التعدي على الأراضي الزراعية يمثل تحديًا كبيرًا لتحقيق الأمن الغذائي، إلى جانب تأثيره سلبًا على فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، مشيرا إلى أن الدولة ستتخذ موقفًا حازمًا تجاه المتعدين على الأراضي الزراعية، مع اتخاذ إجراءات فورية لوقف عمليات البناء غير القانوني في مراحلها الأولى.
تكثيف جهود المراقبة والحماية
وأصدر وزير الزراعة توجيهات صارمة لمديري المديريات وجهاز حماية الأراضي بتكثيف جهود المراقبة المستمرة من قبل مشرفي الأحواض على الأراضي الزراعية، مشيرا إلى أنه سيتم التنسيق مع كافة الجهات المحلية والمعنية لضمان إزالة التعديات قبل تفاقمها، وأن الدولة لن تتهاون في معاقبة أي جهة تقصر في حماية الرقعة الزراعية.
وشدد على تفعيل غرف العمليات في المحافظات لاستقبال البلاغات المتعلقة بالتعديات، وضمان التعامل الفوري معها، وأنه سيتم اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لإعادة الأراضي إلى حالتها الأصلية، مما يعزز من حماية هذا المورد الحيوي.
إزالة التعدي على الأراضي الزراعية
وأمس، أعلنت وزيرة التنمية المحلية في مصر الدكتورة منال عوض، عن بدء انطلاق المرحلة الثالثة والأخيرة من الموجة الـ23 لإزالة التعديات على الأراضي الزراعية والأراضي المملوكة للدولة، وذلك في إطار عزم الدولة على ضرورة التصدي الحازم للممارسات غير القانونية المتعلقة بالاستيلاء والتعدي على الأراضي الزراعية ومخالفة البناء في جميع المحافظات، بهدف الحفاظ على الرقعة الزراعية وحمايتها كأحد أهم مصادر الإنتاج الغذائي للدولة.
وأوضحت الوزيرة، أن إجمالي ما تمت إزالته من حالات تعدٍ على أملاك الدولة والأراضي الزراعية خلال المرحلتين الأولى والثانية من الموجة الـ23 بلغ 6827 حالة، منها 2277 حالة تعدٍ على الأراضي الزراعية بمساحة 2794 فدانًا، مشيرة إلى أن المتابعة المستمرة من القيادة السياسية لهذا الملف تُعزز جهود المحافظات وقوات إنفاذ القانون ومديريات الأمن لتطبيق القانون بكل حزم.
في الأرقام الرسمية: 2 مليون حالة تعدي
وأدى التعدي على الأراضي الزراعية في مصر إلى تآكل كبير في الرقعة الزراعية، كان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء كشف أن عدد حالات التعدي على الأراضي الزراعية خلال الفترة من عام 2011 إلى 2020 تجاوز 2 مليون حالة على مساحة إجمالية بلغت 90,669 فدانًا في جميع أنحاء الجمهورية.
وأوضح تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أن 32% من التعديات التي حدثت خلال تلك الفترة تم إزالتها، حيث بلغت حالات الإزالة 645,911 حالة، على مساحة تقدر بـ36,320 فدانًا من إجمالي 2.007 مليون حالة تعدٍ.
وأظهر التقرير مدى الارتفاع التصاعدي في حالات التعدي على الأراضي الزراعية منذ عام 2011، حيث قفزت التعديات إلى 287.5 ألف حالة على مساحة 11.9 ألف فدان، واستمر هذا الاتجاه التصاعدي في السنوات التالية ليسجل 365.3 ألف حالة في عام 2012 على مساحة 15.5 ألف فدان، و331.8 ألف حالة في عام 2013 على مساحة 14.7 ألف فدان، و276.4 ألف حالة في عام 2014 على مساحة 12.8 ألف فدان.
ومع عام 2015، بدأت حالات التعدي على الأراضي الزراعية في التراجع، حيث انخفضت من 276.4 ألف حالة في عام 2014 إلى 194.9 ألف حالة في عام 2015، ثم 176.1 ألف حالة في عام 2016، واستمر الانخفاض في السنوات التالية ليصل إلى 89.5 ألف حالة في عام 2018، و44.7 ألف حالة في عام 2019.
وبلغت حالات التعدي 55.6 ألف حالة في عام 2020 على مساحة 2,994 فدان، تم إزالة 44.1 ألف حالة منها، على مساحة تقدر بـ2,469 فدان، وهو ما يمثل 79.3% من إجمالي التعديات خلال العام.
المحكمة الدستورية العليا تؤكد الحبس والغرامة
ومنذ أشهر قليلة، أكدت المحكمة الدستورية العليا التزام الدولة بحماية الرقعة الزراعية وزيادتها وتجريم أي اعتداء عليها، جاء ذلك في قرار برفض الدعوى التي تطعن في دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (156) من قانون الزراعة المعدل بالقانون رقم 7 لسنة 2018، وذلك قبل تعديلها بالقانون رقم 164 لسنة 2022.
أوضحت المحكمة في حيثيات حكمها أن المادة المطعون عليها تنص على معاقبة من يخالف أحكام المادة (152) من قانون الزراعة -المتعلقة بالبناء على الأرض الزراعية- بالسجن لمدة لا تقل عن سنتين ولا تزيد على خمس سنوات، بالإضافة إلى غرامة مالية تتراوح بين 100 ألف جنيه و5 ملايين جنيه.
وأشارت المحكمة إلى أن الدستور المصري يعترف بأهمية الزراعة كأحد المقومات الأساسية للاقتصاد الوطني، وأنه بهدف دعم النشاط الزراعي وتحقيق السيادة الغذائية وفر الدستور حماية خاصة للأراضي الزراعية باعتبارها المصدر الرئيسي للأنشطة الزراعية وصمام الأمان للأمن الغذائي في البلاد.
وأكدت المحكمة أن الدستور أوجب على الدولة ليس فقط حماية الرقعة الزراعية ولكن أيضًا تجريم أي اعتداء عليها، بما يتطلب من المشرع تصنيف هذه الأفعال كجرائم جنائية تستوجب العقاب، وأوضحت أن العقوبات التي وردت في النص تتناسب مع جسامة الفعل وخطورته على الرقعة الزراعية والأمن الغذائي، وتتماشى مع الضوابط الدستورية للعقوبات، مؤكدة أن هذا النهج يتفق تمامًا مع الشرعية الدستورية.