تشهد محافظة السويداء السورية، ذات الأغلبية الدرزية، توترات أمنية واجتماعية عميقة، على خلفية اشتباكات وأعمال عنف دامية وقعت مؤخراً، أدت إلى مقتل المئات. هذه الأحداث دفعت القيادات الروحية والسياسية في المحافظة إلى البحث عن حلول للأزمة المتفاقمة.
مباحثات مع “الشيوخ الأميركي”
الشيخ ليث البلعوس، القيادي الروحي البارز في السويداء وأحد قادة “مضافة الكرامة”، كشف عن مباحثات جرت مع لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، بهدف تسليط الضوء على حقيقة الأوضاع في المحافظة. المباحثات، التي تمت عبر تطبيق “زوم”، ركزت على الوضع الإنساني والأمني وتداعيات النزاع.
الاجتماع عقد مع مكتب رئيس اللجنة السيناتور جيمس ريتش، وعضو المجلس السيناتور جين شاهين، بتيسير من الدكتور بكر غبيس، العضو في منظمة “مواطنين لأجل أميركا آمنة”. البلعوس شدد على أن الهدف هو إيصال صوت أبناء المنطقة مباشرة إلى المسؤولين الأميركيين، بعيداً عن “الروايات المفبركة والتقارير المشوَّشة”.
حماية المدنيين أولاً
القيادي الدرزي أوضح أن المباحثات أكدت على ضرورة حماية المدنيين ووقف الفوضى والانفلات الأمني في السويداء. وناقش الطرفان أهمية تشكيل لجنة حقوقية مستقلة لتوثيق الانتهاكات وضمان الحق في الحياة والكرامة لجميع سكان المحافظة.
البلعوس لفت إلى أن الوضع في السويداء لا يعكس الصورة التي يتم تداولها إعلامياً، مشيراً إلى وجود طرف “استحوذ على قرار الطائفة وأقصى الآخرين”، ما أدى إلى تفاقم الأزمة وإراقة الدماء.
“لسنا عملاء لأحد”
وأضاف البلعوس: “أوضحنا لهم أننا لسنا عملاء لأحد، بل نحن أبناء كرامة، وحرصنا على السويداء من حرصنا على سوريا”. تصريحاته هذه تأتي في ظل اتهامات متبادلة بين الأطراف المتنازعة في السويداء، وتصاعد حدة الخطاب الطائفي والمذهبي.
“لم أترك السويداء”
الشيخ ليث البلعوس أكد أنه لم يغادر السويداء رغم التهديدات التي تلقاها، وأنه كان حاضراً بشكل دائم للتواصل مع الأهالي والفعاليات الوطنية. وشدد على أنه لم يساوم على “دم ولا على كرامة”، وأن غيابه، إن وجد، كان بهدف التنسيق والحماية وليس الهروب.
البلعوس كشف عن تلقيه تهديدات مباشرة وغير مباشرة من “جماعات مرتبطة بعصابات ومسلحين”، بعد أن تبين لبعض المتنفذين أن “صوت العقل بات يهدد مصالحهم”. وأشار إلى أن هذه الجماعات قامت بسرقة وإحراق منازله، والتعدي على مدفن والده الشيخ وحيد البلعوس.
فلول وتجار الكبتاغون
الدكتور بكر غبيس، الذي يسر اللقاء مع لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، أوضح أن النقاش تركز أيضاً على “اختطاف قرار الحرب والسلم للطائفة الدرزية من قبل مجموعة صغيرة”. وكشف أن البلعوس أبلغ اللجنة بوجود “العديد من ضباط نظام بشار الأسد السابق وتجار الكبتاغون بين الميليشيات”.
غبيس أشار إلى أن هذه الميليشيات تحارب القوات الحكومية وترتكب انتهاكات بحق المدنيين، مما يزيد من تعقيد الوضع في السويداء. وتأتي هذه التصريحات في وقت تتهم فيه أطراف عدة النظام السوري بدعم وتسليح بعض الفصائل المحلية في المحافظة بهدف إثارة الفتنة.
تباين المرجعية والفصائل
تشهد المرجعيات الدينية والسياسية في السويداء تبايناً في المواقف تجاه السلطات السورية. ففي حين يرفض الشيخ حكمت الهجري دخول قوات الجيش والأمن الحكومية إلى المحافظة، ويوجه انتقادات لاذعة للحكومة، يرى كل من الشيخ يوسف جربوع والشيخ حمود الحناوي ضرورة التفاهم مع الحكومة والحفاظ على قنوات التواصل معها.
وتنعكس هذه الخلافات على مواقف الفصائل المسلحة المحلية، ففي حين تتوافق مواقف البلعوس وسليمان عبد الباقي مع مواقف جربوع والحناوي، تتخذ فصائل أخرى مثل “لواء الجبل” و”المجلس العسكري في السويداء” مواقف معارضة للحكومة ومتقاربة من موقف الهجري.
اتفاقات معطلة
يذكر أنه قبل وقوع الأحداث الدامية في السويداء، تم التوصل إلى اتفاقات بين المرجعيات الدينية والسياسية والاجتماعية في المحافظة تنص على عودة مؤسسات الدولة، لكنّ الهجري وعدداً من الفصائل المحلية كانوا يرفضونها. هذه الاتفاقات المعطلة تعكس عمق الأزمة في السويداء وتحديات التوصل إلى حلول توافقية تضمن استقرار المحافظة وحماية سكانها.