على مدار الشهرين المنصرمين، تكثفت جهود حركة “طالبان” الأفغانية لاسترضاء إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب. تأتي هذه الخطوة في سياق تحول محتمل للعلاقات الرسمية مع الولايات المتحدة، بينما لا تزال واشنطن تصنف الحركة كمنظمة إرهابية، وفقًا لمصادر مطلعة على المحادثات الجارية.
مباحثات استكشافية
أفاد مسؤول أميركي أن المحادثات الأولية مع “طالبان” وُصفت بأنها “استكشافية” ومتغيرة، مشيراً إلى وجود “مسار إيجابي” محتمل. وأكد المسؤول: “إذا سارت طالبان في هذا الاتجاه، فإننا سنسير فيه أيضاً”، محذراً في الوقت ذاته من بعض القضايا السلبية، مشيراً إلى أن تطبيع العلاقات قد لا يتحقق في القريب العاجل، كما ورد في تقرير لقناة “سي إن إن” الخميس الماضي.
في المحادثات التي جرت الشهر الماضي مع مسؤولين أميركيين في كابل، طرح ممثلو “طالبان” مجددًا إمكانية أن تُعترف واشنطن بالجماعة كحكومة رسمية لأفغانستان. كما أدلوا بطلب لفتح مكتب في الولايات المتحدة للتواصل مع الجالية الأفغانية، مع اقتراح بأن لا يكون المكتب بالضرورة سفارة وفي موقع خارج العاصمة.
يعتبر إقامة علاقات دبلوماسية رسمية مع “طالبان” تحولاً جذريًا في العلاقات الأميركية الأفغانية، بعد سيطرة الحركة على البلاد في أعقاب انسحاب القوات الأميركية في عام 2021.
أثر السنوات الطويلة من النزاع
تأتي هذه الجهود في أعقاب حوالي عقدين من القتال الذي أسفر عن مقتل نحو 2500 جندي أميركي. في العام الأخير من ولاية ترمب الأولى، تم التوصل إلى اتفاق مع “طالبان” ينص على الانسحاب الكامل للقوات الأميركية في 2021، مما سيحدث تحت إدارة الرئيس جو بايدن. عندما انهارت القوات الأفغانية، جرى انسحاب فوضوي شهد مشاهد مأساوية لأفغان يحاولون التشبث بطائرات الإخلاء بمطار كابل، ما أسفر عن مقتل قرابة 200 أفغاني و13 عسكرياً أميركياً في تفجير انتحاري.
خطوة نحو إطلاق سراح الأمريكيين
في سياق محادثات الشهر الماضي حول الإفراج عن ميكانيكي الطائرات الأميركي جورج غليزمان، اعتبرت “طالبان” هذه الخطوة “بادرة حسن نية”، بينما أكد زلماي خليل زاد، المبعوث الأميركي السابق إلى أفغانستان، أنها خطوة إيجابية. تم الاتفاق على إطلاق سراح غليزمان، بوساطة قطر، التي استضافت مسؤولين من “طالبان” لسنوات.
بعد فترة وجيزة من إطلاق غليزمان، أفرجت “طالبان” عن الأميركية فاي هال، في خطوة مماثلة تمت بدون شروط مقابل. وعلى الرغم من هذه الجهود، أرجأت الحركة الإفراج عن أميريكيين آخرين إلى ما بعد تولي ترمب منصبه، حتى تمنح له الفرصة لادعاء الفضل بدلاً من بايدن.
التطبيع خطوة بخطوة
يشير مسؤول آخر مطلع على الوضع إلى أن “طالبان” تدرك أن عملية التطبيع ستكون تدريجية، حيث تتطلع لتلبية احتياجات ترامب التي تعتمد على الصفات العملية. أما بالنسبة للولايات المتحدة، فقد ألغت مكافأت متعلقة بعدد من أعضاء شبكة “حقاني” من قبل، وهي مجموعة مرتبطة بهجمات مسلحة ضد القوات الأميركية.
على الرغم من ذلك، لا يزال مصير المكافآت المعلقة قيد المراجعة، مما يعكس تعقيدات العلاقات بين الجانبين. وفي ظل عدم الإفراج عن جميع الأميركيين، ستكون هناك ردود فعل محتملة كبيرة من القادة الأفغان، بحسب مسؤول أميركي آخر.
إعادة النظر في العلاقات
قبل وصول ترمب إلى سدة الرئاسة، كانت “طالبان” تسعى إلى تطوير علاقات غير رسمية، بالإضافة إلى المطالبة بالإفراج عن سجناء في غوانتانامو وتفعيل تجميد الأموال. وتشير فحوى المفاوضات إلى رغبتهم الدائمة في تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة مقابل القيام بخطوات جادة.
كما يُظهر المسؤول السابق أن “طالبان” تتطلع للتعامل مع ترمب الذي يعتبرونه قادراً على اتخاذ خطوات لمصلحتهم. وكان ترمب قد أظهر إعجابه بالمقاتلين الأفغان في السابق، واصفًا إياهم بأنهم “مقاتلون أقوياء”.
تهديدات متجددة
الأسبوع الماضي، أعاد ترمب التذكير بإمكانية مطالبة “طالبان” بإعادة المعدات العسكرية الأميركية، إلا أن الحركة رفضت ذلك. كما يُظهر التقرير الذي أصدره مجتمع الاستخبارات الأميركي أن “داعش – خراسان” لا يزال يمثل تهديدًا كبيرًا.
تحت شروط الاتفاق الذي تم التوصل إليه في 2020، كان يُفترض أن تمنع “طالبان” الجماعات الإرهابية الأخرى من إعادة التجمع، لكن الأمور استمرت على حالها حتى بعد مقتل زعيم “القاعدة” أيمن الظواهري في كابل بواسطة الطائرات المسيَّرة. هذه الديناميكيات تشير إلى تعقيدات وفوضى الوضع الأمني والديبلوماسي الراهن في المنطقة.