تواجه الميليشيات المسلحة في غرب ليبيا اتهامات قوية بالضلوع في عمليات احتكار الأسمنت وبيعه في السوق السوداء، وذلك وفقًا لمعلومات أدلى بها مسؤولون محليون ونشطاء. تأتي هذه الاتهامات بعد اعتصام لعمال مصنع الأسمنت في مدينة زليتن في مارس الماضي، حيث أعربوا عن مخاوفهم من تفاقم نفوذ تلك الفصائل المسلحة داخل المصنع.
اعتصام عمال الأسمنت
في هذا السياق، اعترف عميد بلدية زليتن، مفتاح حمادي، بوجود احتكار من قبل تشكيلات مسلحة من خارج المدينة، حيث تتحكم في عمليات بيع الأسمنت إلى جانب عدد من التجار. وتظهر التقارير المحلية أن بعض الميليشيات باتت تلعب دورًا بارزًا في احتكار الأسمنت، ما أثار جدلًا واسعًا بين ناشطين مثل عبد الله ماماش، الذي اتهمهم بالتربح غير المشروع من خلال السيطرة على السوق.
تجدر الإشارة إلى أن تقارير أممية تناولت بشكل دوري شبكات الاحتكار والتهريب في ليبيا، مشيرةً إلى أن عمليات التحكم في السوق تشمل مختلف السلع بدءًا من النفط وصولاً إلى الاتجار بالبشر. وقد أصبح الحديث عن الأسمنت جزءًا من هذه الشبكات المعقدة.
اتهامات واسعة ونفوذ الميليشيات
وفقًا لسكان محليين، فقد تم تداول عمليات بيع الأسمنت في السوق السوداء على نطاق واسع، حيث تتردد اتهامات بوجود تمييز في توزيع الحصص من المصنع. وقد أدت هذه الوضعية إلى إغلاق المصنع مرتين احتجاجًا على التوزيع غير العادل.
من ناحية أخرى، يعتقد المحللون أن نظام شركة «الاتحاد العربي»، مالكة المصنع، يعفيها من رقابة «ديوان المحاسبة»، مما يجعلها تخضع فقط لقواعد الجمعية العمومية. كما تداولت بعض صفحات وسائل التواصل الاجتماعي صورة لفاتورة بيع أسمنت بسعر المصنع لمسلحين ينتمون لـ”قوة دعم الدستور والانتخابات» دون نفي من أي طرف، مما أثار المزيد من الشكوك حول هذه الممارسات.
حراك لجنة فض النزاع
ومع تنامي النفوذ المسلح داخل مدينة زليتن، تمثل الإغلاقات والاعتصامات ردود فعل على عدم الشفافية في توزيع الأسمنت. وقد أكد عميد بلدية زليتن أنه تم تشكيل لجنة لحل النزاع وضمان وصول الأسمنت للمواطنين بشكل عادل.
تجدر الإشارة إلى أن الحديث حول التلاعب في سوق الأسمنت يشمل أيضًا شبهات تلاحق «ميليشيا أبناء حريز»، حسب ما أفاد الإعلامي المعني بقضايا الفساد، خليل الحاسي. في وجه هذه التحديات، يرى حمادي أن الحل يكمن في تعزير الرقابة الرسمية على الشركة.
أهمية مصنع الأسمنت في زليتن
تمثل مدينة زليتن مركزًا رئيسيًا لصناعة الأسمنت في ليبيا، حيث تحتوي على مصنعين كبيرين، وبلغت طاقتهما الإنتاجية 800 ألف طن. ومع ذلك، يصف المحلل العسكري، محمد الترهوني، نفوذ الميليشيات في قطاع الأسمنت بأنه يعكس واقعًا مزريًا من الاحتكار والاستحواذ الذي يؤثر سلبًا على المواطنين. ويشير إلى أن هذه الفصائل تستخدم التجارة لتمويل أنشطتها وتعزيز سلطتها.
تشير دراسة حديثة لمركز «فاروس» للاستشارات إلى أن الميليشيات تستفيد من شبكة واسعة من الفساد في البلاد، في الوقت الذي تحاول فيه الحفاظ على النظام القائم لضمان مصالحها الشخصية. وقد حذرت ستيفاني وليامز، نائبة مبعوث الأمم المتحدة السابقة، من تورط المجموعات المسلحة في أنشطة شبيهة بالمافيا، خاصةً فيما يتعلق بتهريب الأشخاص والوقود والمخدرات والأسلحة.
