الإثنين 30 يونيو 2025
spot_img

“إسعاف”.. فيلم أنعش الكوميديا السعودية

انتعاش السينما الكوميدية السعودية

في خطوة تعكس تسارع ملامح السينما الكوميدية السعودية، يأتي فيلم “إسعاف” ليقدم رؤية جديدة ومبتكرة للكوميديا من خلال تسليط الضوء على جوانب متنوعة مثل كوميديا الموقف والمفارقات الاجتماعية. ويعتبر الفيلم الأول من نوعه الذي يتم عرضه بتقنية IMAX في صالات السينما التجارية بالعالم العربي.

بعد عرضه الأول والثاني في مسابقة الأفلام الطويلة في مهرجان أفلام السعودية، الذي أقيم بين 17 و23 أبريل، حقق الفيلم إقبالاً واسعاً من الجمهور، محققاً وصفته السحرية: “الضحك”.

فيلم مبتكر وإخراج مميز

أخرج الفيلم البريطاني كولين تيج، ويضم فريقاً من النجوم، يتصدرهم إبراهيم الحجاج، الذي شارك أيضاً في كتابة السيناريو مع محمد القحطاني. ويشارك في العمل عدد من الشخصيات السعودية البارزة، منهم فهد البتيري وحسن عسيري ونيرمين محسن ولطيفة المقرن، إلى جانب ظهور شرفي للممثل المصري أحمد فهمي.

تدور أحداث الفيلم حول شخصيتين تعملان في الإسعاف، “عمر” (إبراهيم الحجاج) و”خالد” (محمد القحطاني)، اللذين يواجهان سلسلة من المواقف الطريفة أثناء تأديتهما لمهامهما في شوارع الرياض. وتقوم العلاقة بين الشخصيتين على التناقض بين الصرامة والعفوية، ما يشكل جوهر الفيلم الكوميدي.

بداية مثيرة للأحداث

تبدأ مغامرة الفيلم بلقطة تعكس العلاقة بين “عمر” و”خالد” أثناء قيادتهما سيارة الإسعاف، عندما يصدمان رجلاً غامضاً يحمل حقيبة. يجد “خالد” نفسه في حالة من الذهول ويصر على إبلاغ الشرطة، بينما يتصرف “عمر” بعفوية، مما يدفع الأحداث نحو مسار غير متوقع.

تجسد هذه اللحظة البنية الأخلاقية للفيلم؛ حيث تسعى الشخصية لتقديم المساعدة دون إدراك العواقب. يعكس “عمر” دافعية إنسانية، لكنه يجد نفسه في سلسلة متصاعدة من الأزمات، مما يقدّم بداية قوية للكوميديا.

الشخصيات المتناقضة

يتناول الفيلم إحدى بنى السرد الكوميدية الشهيرة، المعروفة بالمخرج “الضحية المزيّفة والمنقذ الغافل”. تظهر الشخصية الأنثوية “لينا”، التي تؤدي دورها بسمة داوود، كضحية تتعرض للاحتجاز، ولكن عند إنقاذها على يد “عمر”، يتضح أنها كانت العقل المدبّر وراء كل الأحداث.

تتجلى في شخصية “عمر” صفات البطل الساذج النبيل الذي يفتقر إلى الحيلة والذكاء، ما يجعله جذاباً في عفويته وضعفه العاطفي. ولكن رغم الإمكانيات الكوميدية القوية، لم يتم استثمار هذه الشخصيات بصرياً أو زمنياً بصورة كافية.

ثنائية الأصدقاء في الكوميديا

يبرز أحد العناصر الأساسية في الفيلم من خلال الاعتماد على أسلوب “Buddy Duo”، حيث تمثل الثنائية بين الشخصية العفوية ورفيقها الجاد مصدر الكوميديا. يتحول “عمر” إلى مصدر الفوضى بينما يعكس “خالد” سذاجته بقلق متواصل.

هذا النوع من البناء يعكس تقليداً معروفاً في السينما، ويساعد في تعزيز اللحظات الكوميدية التي تنبثق من التناقضات بين الشخصيات.

الدافع المركزي الغامض

تعتبر الحقيبة التي يتناقلها الأبطال رمزًا للدافع المركزي الغامض الذي يُحرك أحداث الفيلم. تسعى مجموعة من الشخصيات للحصول على هذه الحقيبة، بينما يبقى “عمر” غافلاً عن أهميتها. فتتعزز المفارقات المعرفية بين ما يعرفه الجمهور وما يجهله البطل، مما يخلق ضحكاً ناشئاً عن تخبط الشخصيات.

مدينة الرياض كعنصر سردي

تظهر مدينة الرياض كعنصر سردي رئيسي في الفيلم، حيث تُبرز شوارعها المزدحمة وضواحيها الملتبسة التحديات التي يواجهها الأبطال خلال تفاعلاتهم اليومية. الضغوط الخارجية تكمل حبكة الفيلم، مما يعكس الارتباك الذي يُفرض على الشخصيات دون علمهم.

أداء متميز وحقائق مؤلمة

إبراهيم الحجاج حقق شهرة واسعة في الساحة السعودية بأسلوبه الكوميدي الفريد. يتمتع بقدرة على خلق لحظات مضحكة من لا شيء، فيما يقدم محمد القحطاني دور الموظف الجاد في مواجهة الفوضى. يسهم التكرار في المشاهد في إقامة علاقة درامية تجعل عمق الكوميديا مرئيًا.

متعة الإيقاع الدرامي

تتسم بنية الفيلم بالإيقاع السريع الذي يساهم في ترفيه الجمهور. إلا أن المخرج كولين تيج، القادم من خلفية تلفزيونية، وجد صعوبة في التوازن بين الإيقاع الدرامي وروح الفكاهة المحلية، مما أسفر عن بعض اللحظات التي كانت تحتاج إلى تركيز أكبر.

تساؤلات حول الهوية السينمائية

تقدِّم بعض العناصر في الفيلم تساؤلات حول تشكّل الهوية السينمائية المحلية، خاصة مع ظهور ممثل مصري في نهاية الفيلم. إذ يتساءل الجمهور: هل تصدير الكوميديا المحلية يحتاج إلى نجم إقليمي لتكون في السياق الدرامي السليم؟

تحقيقات تقنية وطموحات جديدة

يُعتبر فيلم “إسعاف” تجسيداً لطموحات تقنية واضحة، حيث يستعرض أساليب درامية مألوفة، ولكنه يفوت الفرص لتطوير الشخصيات وبناء هوية سينمائية متعمقة. رغم سرعة الإيقاع، كان من الممكن أن يحقق الفيلم تأثيرًا أكبر لو اعتمد على تفاصيل العلاقات البشرية بشكل أقوى.

على الرغم من جماليات الفيلم وما يقدمه من لحظات ضحك، يبقى الانطباع النهائي أنه مرّ بسرعة دون الوقوف عند محطات كان يمكن أن تحمل تأثيرًا أكبر.

اقرأ أيضا

اخترنا لك