في خطوة تصعيدية، أعلنت إسرائيل عن إنشاء منطقة عازلة في جنوب لبنان، وهي الأولى من نوعها منذ اتفاق وقف إطلاق النار، ونشرت خرائط تحدد المنطقة المحظورة باللون الأحمر، مانعة السكان من الاقتراب منها.
صباح الخميس، ألقت طائرات إسرائيلية مسيرة مناشير تحذيرية فوق بلدة شبعا الجنوبية، تضمنت خرائط تحدد “الخط الأحمر” المحظور تجاوزه، ويشمل مناطق محاذية لمزارع شبعا المتنازع عليها، مما أثار تساؤلات حول الأبعاد الأمنية والسياسية لهذه الخطوة.
تحذيرات إسرائيلية في الجنوب
تأتي هذه الخطوة ضمن سلسلة إجراءات إسرائيلية ميدانية على طول الحدود الجنوبية، تثير تفسيرات متباينة، بين من يراها إجراءً أمنياً بحتاً، ومن يعتبرها محاولة لفرض واقع جديد على الأرض.
تضمنت المناشير عبارات تحذيرية واضحة: “يُمنع عبور الخط الأحمر باتجاه الحدود الإسرائيلية. كل من يدخل المنطقة الملونة بالأحمر يعرض نفسه للخطر.”، وتفيد مصادر ميدانية بأن الخريطة تتطابق مع نطاق أمني جديد تسعى إسرائيل لفرضه على طول القطاع الشرقي من الحدود.
رسائل سابقة وتحركات عسكرية
سبق هذا التصعيد، قيام رئيس أركان الجيش الإسرائيلي بجولة تفقدية في جنوب لبنان، في خطوة اعتبرت رسالة تعكس الواقع الأمني الجديد على الحدود، وتأكيد على جاهزية القوات الإسرائيلية.
في تموز الماضي، ألقت إسرائيل منشورات على نحالي شبعا تحذرهم من نقل مناحلهم إلى مناطق تعتبرها حساسة أمنياً، مما يشير إلى سياسة متواصلة لتقييد الحركة في المنطقة الحدودية.
أبعاد استراتيجية للخطوة
يرى اللواء المتقاعد الدكتور عبد الرحمن شحيتلي، أن هذه الخطوة تمثل محاولة لفرض أمر واقع جديد على الحدود الجنوبية، وجعل هذا الخط بمثابة القسم الشمالي من خط وقف إطلاق النار الجديد المزمع بين لبنان وإسرائيل، بعد محاولة وضع خط هدنة مستحدث يبدأ من الناقورة وصولاً إلى جسر الغجر.
واعتبر شحيتلي أن هذا التطور خطير للغاية، لأنه إذا قبل به لبنان، “فهذا يعني عملياً التنازل عن أراضٍ لبنانية مثبتة الملكية لأصحابها، وموثقة في الاتفاقات الرسمية الموقعة بين لبنان وسوريا.”
مخاوف من التنازل عن الأراضي
يقدر شحيتلي أن المساحة التي يشملها الإجراء الإسرائيلي الجديد تبلغ نحو 50 كيلومتراً مربعاً، مؤكداً أنها أراضٍ لبنانية بالكامل، ولا يساورنا أي شك في هويتها.
تهدف هذه الخطوة إلى منع أصحاب الأراضي اللبنانيين من الوصول إلى أراضيهم وزراعتها، لتكريس الاحتلال بشكل تدريجي، على غرار ما فعلته إسرائيل في الجولان، حيث بدأت بفرض وقائع ميدانية قبل أن تقدم لاحقاً على ضمها.
رمزية الخيمة وتأثيرها
أثارت خطوة “الخط الأحمر” تساؤلات حول الخيمة التي نصبها “حزب الله” في حزيران 2023 قرب الخط الأزرق في منطقة مزارع شبعا، قبل حرب الإسناد التي اندلعت في خريف 2023.
اعتبرت الخيمة رسالة سياسية وعسكرية تختبر قواعد الاشتباك، وإدراج موقع الخيمة ضمن النطاق الملون اليوم يضفي بعداً إضافياً للتحذير الإسرائيلي، ويكشف سعي تل أبيب لإزالة أي تمركز رمزي أو فعلي لـ”الحزب” في نقاط متقدمة.
خلفيات ترسيم الحدود اللبنانية
أكد شحيتلي أنه لا يوجد أي خلاف حدودي بين لبنان وسوريا، فالموضوع حُسم منذ الأربعينات عندما وُقعت خريطة حدودية بين لجنة عقارية لبنانية وأخرى سورية، وأعيد تثبيتها في ستينات القرن الماضي وبداية السبعينات عبر اجتماعات رسمية.
وافقت مجالس الوزراء في البلدين على تقارير اللجان والخرائط المرفقة، مما جعل الحدود اللبنانية – السورية مرسمة نهائياً عام 1970، والمشكلات التي طرأت لاحقاً لم تكن على خط الحدود، بل على الملكيات العقارية.
تاريخ مزارع شبعا المحتلة
أوضح شحيتلي أن إسرائيل احتلت الجزء الأول من مزارع شبعا عام 1967 بعد حرب لم يشارك فيها لبنان، وكانت تلك المنطقة تضم قوات سورية واعتبرتها إسرائيل أراضي سورية، ثم توسعت إسرائيل بعد ذلك إلى مناطق أخرى بعد 1967، وبعد اجتياح 1982، وصولاً إلى احتلال أجزاء إضافية عام 1989.
دعا الحكومة اللبنانية إلى اتخاذ موقف رسمي وعلني وفوري، وتسجيل اعتراض واضح لدى الأمم المتحدة على هذا الإجراء، والمطالبة بإزالته فوراً، لأنه يشكل تكريساً للاحتلال ويعطل أي شروط لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلة.
تصعيد ميداني متزامن
تزامن إلقاء المناشير مع إجراءات ميدانية إسرائيلية، بينها استهداف آلية مدنية في يارون، وإلقاء قنبلة على سيارة في شبعا، وقنبلة صوتية قرب أحد الرعاة، بعيد توغل قوة إسرائيلية في وادي هونين ودخول منزلين قرب العديسة.
رصد تحليق للطيران الإسرائيلي على علو منخفض فوق بيروت والبقاع والجنوب، في رسالة واضحة بأن التحذير الورقي مدعوم بجهوزية ميدانية، وتصعيد عسكري.