شهدت أوكرانيا تحولًا ملحوظًا في قطاع الصناعات الدفاعية، حيث ارتفعت قيمة الأسلحة التي يمكن تصنيعها محليًا بشكل كبير، لكن البلد لا يزال بحاجة ماسة إلى الدعم الغربي لمحاربة روسيا. ووفقًا لمقال نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال”، فإن قيمة الأسلحة القابلة للإنتاج تجاوزت 35 مليار دولار خلال ثلاث سنوات من النزاع، بينما كان هذا الرقم يقتصر على مليار دولار في عام 2022.
تعتمد القوات الأوكرانية في البداية بشكل أساسي على المخزونات الغربية، والتي ساعدت في تسليح الجيش خلال السنوات الأولى من الصراع.
وأفادت الصحيفة بأن أوكرانيا كانت تمتلك نموذجًا أوليًا واحدًا فقط من مدفع “هاوتزر بوهدانا” عند بدء الغزو الروسي في فبراير 2022، بينما تمكنت من إنتاج كميات من الأسلحة أكثر من جميع دول حلف شمال الأطلسي مجتمعة العام الماضي.
في ضوء تناقص الدعم الأمريكي، تزداد أهمية صناعة الدفاع الأوكرانية في الحفاظ على القدرة على القتال أو ضمان السيادة في حال التوصل إلى اتفاق سلام. يتيح زيادة الإنتاج المحلي لأوكرانيا الحد من تأثير التغيرات السياسية الدولية.
كما تراهن أوكرانيا على هذا القطاع كمحرك رئيسي لاقتصادها بعد الحرب، مما يعزز تكاملها مع الغرب من خلال تلبية احتياجات السوق الدفاعي.
قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي: “ستظل أوكرانيا بحاجة دائمة إلى أسلحتها القوية لبناء دولة قوية”. وأشار إلى أن أكثر من 40% من الأسلحة المستخدمة في صراعها مع روسيا تُنتج محليًا، مع ارتفاع هذه النسبة في مجالات مثل الطائرات المُسيّرة والأنظمة الذاتية.
تحليل الوضع الحالي
يتم إنتاج المزيد من الأسلحة التقليدية في أوكرانيا، مثل الأنظمة المدفعية والمركبات المدرعة، كما ذكرت الصحيفة.
في هذا السياق، أوضح الباحث روب لي من معهد أبحاث السياسة الخارجية أن الكثير من أفضل الكفاءات في أوكرانيا اتجهت إلى قطاع الدفاع، رغم ازدياد المنافسة في الدول الغربية.
ومع ذلك، فإن تركيز الإنتاج المحلي لا يكفي لأوكرانيا لمواجهة القوات الروسية بشكل منفصل، إذ تحتاج إلى الدعم من الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، حيث لا تستطيع وحدها تلبية احتياجاتها من الذخيرة أو تطوير أنظمة الدفاع الجوي.
وعلى الرغم من الزيادة في الإنتاج، تعاني ميزانية كييف من صعوبة كبيرة في ظل الضغوط الناتجة عن الحرب.
في هذا الصدد، قال أوليكساندر كاميشين، مستشار زيلينسكي السابق، إن الحكومة لن تستطيع شراء أكثر من نصف الإنتاج الممكن لشركات الأسلحة هذا العام.
ويعتبر الوضع مزعجًا، حيث أفاد بأنه من المؤلم عدم القدرة على إنتاج ما يكفي لمواجهة التحديات، رغم القدرة على الإنتاج.
استراتيجيات التمويل
للاستفادة من القدرة الإنتاجية القائمة، تتبنى بعض الحكومات الغربية نموذجًا يمكّنها من تمويل شراء الأسلحة من الشركات الأوكرانية بدلاً من تزويد كييف بأسلحة غربية بشكل مباشر.
وفي تعليق لباحث آخر، تم توضيح أن الاستثمارات المباشرة في الشركات الدفاعية الأوكرانية قد تكون الوسيلة الأكثر فاعلية لتعزيز العمليات العسكرية.
تجارب من الميدان
تحولت الحرب إلى ساحة اختبار لمجموعة من الأسلحة الجديدة، مما منح دول حلف الناتو دروسًا غير مسبوقة حول أدائها العسكري. ورغم أن أوكرانيا ورثت جزءًا من صناعة الدفاع السوفيتية، فقد تراجعت قدرات التصنيع بعد الاستقلال.
على سبيل المثال، طوّرت شركة خاصة نظام “بوهدانا” المدفعي في عام 2016، لكن الطلبات لم تكن متوفرة قبل الغزو. بعد الغزو، استدعت المخاوف الأمنية الحاجة لإعادة استخدام النظام على خط المواجهة.
وأدى استخدام “بوهدانا” جنبًا إلى جنب مع المدفع الفرنسي “قيصر” إلى تحقيق نجاحات خلال الحرب، على الرغم من القصف المستمر الذي عرّض المصنع والصناعات المحلية للخطر.
أرقام متزايدة وتكلفة أقل
حاليًا، تنتج الشركة أكثر من 20 مدفع “بوهدانا” شهريًا، بينما تنتج روسيا حوالي 40 سلاح مدفعية خلال نفس الفترة. وتُجمع المدافع حديثًا لتقليل فرص استهدافها.
تبلغ تكلفة المدفع الواحد 2.8 مليون يورو، مقارنةً بنظيراتها من دول أخرى مثل السويد أو فرنسا، والتي تحتاج إلى وقت أطول للإنتاج بسبب أنظمتها المتطورة.
كذلك، يتطلب إصلاح مدفع “بوهدانا” قطعًا متوفرة بسرعة، مما يعزز من فرص إنتاجها. ولا تزال الجهود جارية لتوسيع نطاق إنتاج المكونات محليًا، بالرغم من التحديات المرتبطة بإنتاج الذخائر المطابقة لمعايير الناتو.