واشنطن تواجه صعوبات في توفير أنظمة باتريوت للدفاع الجوي، في ظل تردد الحلفاء الأوروبيين بتقاسم هذه الأصول الحيوية، مما يكشف عن تحديات كبيرة تواجه القدرات الدفاعية الغربية وقدرة حلف شمال الأطلسي “الناتو” على مواجهة التهديدات المتزايدة.
معضلة الإمداد بالباتريوت
أبرز وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، في مؤتمر صحفي عقد في كوالالمبور بماليزيا، عقب محادثات مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، محدودية القدرة الإنتاجية لأنظمة الدفاع الجوي المتطورة، مشيراً إلى أن العديد من الدول الأوروبية تمتلك أنظمة صواريخ باتريوت، ولكنها تتردد في مشاركتها.
نظام باتريوت.. حجر الزاوية
نظام صواريخ باتريوت، الذي طورته شركة رايثيون تكنولوجيز، يعتبر حجر الزاوية في الدفاع الجوي الأمريكي، ويمثل قمة تكنولوجيا الدفاع المضاد للطائرات والصواريخ. ومنذ تقديمه في ثمانينيات القرن الماضي، تطور النظام ليصبح منصة متعددة الأدوار قادرة على مواجهة الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز والطائرات المتطورة.
قدرات نظام باتريوت
تتكون بطارية باتريوت من مجموعة رادار ومحطة للتحكم في الاشتباك ومولدات طاقة ومنصات إطلاق متعددة، تحمل كل منها أربعة صواريخ. ويستخدم نظام PAC-3، وهو الإصدار الأكثر تقدماً، تكنولوجيا “الضربة القاتلة”، مما يسمح بتدمير التهديدات القادمة بدقة.
تكلفة وتعقيد النظام
تبلغ تكلفة صاروخ PAC-3 الواحد حوالي 4 ملايين دولار، ويمكن أن تتجاوز تكلفة البطارية الكاملة مليار دولار، مما يعكس تعقيد النظام والموارد اللازمة لإنتاجه. ويمكن للرادار الخاص بالنظام تتبع ما يصل إلى 100 هدف في وقت واحد، بمدى يزيد عن 100 ميل، مما يجعله أصلاً حيوياً للدول التي تواجه تهديدات صاروخية.
فعالية نظام باتريوت
أظهر التاريخ التشغيلي لنظام باتريوت فعاليته، فخلال حرب الخليج عام 1991، اكتسب شهرة من خلال اعتراض صواريخ سكود العراقية، على الرغم من أن أدائه المبكر واجه تدقيقاً بسبب معدلات النجاح غير المتناسقة. وأدت الترقيات في العقود التي تلت ذلك إلى تحسين موثوقيته، حيث أثبت متغير PAC-3 قدرته على مواجهة الصواريخ الباليستية الحديثة في الصراعات عبر منطقة الشرق الأوسط.
تحديات الإنتاج
تشير تعليقات روبيو إلى وجود اختناق في القاعدة الصناعية الدفاعية، إذ يتطلب إنتاج أنظمة باتريوت سلسلة توريد معقدة تعتمد على مواد الأرض النادرة وأشباه الموصلات المتقدمة والعمالة الماهرة. وتدير شركة رايثيون خطوط إنتاج محدودة، وتشير التقديرات إلى أن الولايات المتحدة يمكنها تصنيع عدد قليل فقط من البطاريات سنوياً.
توسع محدود
أشار دبلوماسي أوروبي في كييف، في تصريح لصحيفة “واشنطن بوست”، إلى أن شركة رايثيون تواصل توسيع قدرتها الإنتاجية لتلبية الطلب المتزايد بعد عام 2022، لكن التقدم لا يزال بطيئاً. ويجبر هذا القيد الولايات المتحدة على الموازنة بين احتياجاتها الدفاعية واحتياجات حلفائها، خاصة في المناطق التي تواجه تهديدات مباشرة.
معضلة الدول الأوروبية
تواجه الدول الأوروبية المجهزة ببطاريات باتريوت معضلات خاصة بها، فدول مثل ألمانيا وإسبانيا، التي ذكرها روبيو على وجه التحديد، تدير هذه الأنظمة لحماية مجالها الجوي من التهديدات المحتملة، بما في ذلك القدرات الصاروخية الروسية.
التزامات الناتو
تحتفظ ألمانيا، على سبيل المثال، بعدة بطاريات باتريوت كجزء من التزاماتها تجاه الناتو، مع خطط لشراء المزيد من الولايات المتحدة، وفقاً لموقع أكسيوس. وتنشر إسبانيا، البعيدة جغرافياً عن مناطق الصراع مثل أوكرانيا، بطارية واحدة، ومع ذلك تتردد كلتا الدولتين في التخلي عن هذه الأصول.
قيود الاستبدال
ينبع هذا التردد من التكلفة العالية والمهل الزمنية الطويلة لاستبدال أنظمة باتريوت، والتي يمكن أن تستغرق سنوات لتصنيعها ونشرها. ويعكس هذا الوضع توتراً أوسع داخل الناتو، وهو الموازنة بين التزامات الدفاع الجماعي وأولويات الأمن القومي.
بدائل لأنظمة باتريوت
أدى النقص في أنظمة باتريوت إلى دفع الحلفاء لاستكشاف بدائل، فنظام القبة الحديدية الإسرائيلي، المصمم لاعتراض الصواريخ قصيرة المدى، يتفوق في سيناريوهات محددة ولكنه يفتقر إلى قدرة باتريوت على مواجهة الصواريخ الباليستية على ارتفاعات عالية. ويوفر نظام SAMP/T الفرنسي، الذي تم تطويره بالاشتراك مع إيطاليا، قدرات مماثلة ولكنه لا يزال أقل انتشاراً.
التحديات التاريخية
تاريخياً، واجهت الولايات المتحدة تحديات في الإنتاج الدفاعي، فخلال الحرب الباردة، حافظت البلاد على قاعدة صناعية قوية قادرة على إنتاج كميات هائلة من المعدات العسكرية. ومع ذلك، بعد عام 1991، تقلصت الميزانيات الدفاعية، وتم دمج خطوط الإنتاج.
نقص في المهارات
أبرز تقرير صادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في عام 2023 أن القاعدة الصناعية الدفاعية الأمريكية تكافح من أجل زيادة الإنتاج بسرعة، مشيراً إلى نقص في العمال المهرة والمكونات الحيوية مثل الرقائق الدقيقة.
المفاوضات الدبلوماسية
تعكس تصريحات روبيو، التي أدلى بها على هامش قمة آسيان في ماليزيا، الجهود الدبلوماسية لمعالجة هذه التحديات. وأشار إلى مفاوضات أمريكية جارية مع شركاء أوروبيين لنقل أنظمة باتريوت، مؤكداً على ضرورتها لحماية البنية التحتية الحيوية من الهجمات الصاروخية.
قيود إضافية
تمتد قيود الإنتاج إلى ما وراء نظام باتريوت، إذ تواجه ذخائر الدفاع الجوي، مثل صواريخ PAC-3، اختناقات مماثلة. ويتطلب كل صاروخ هندسة دقيقة، مع الحصول على المكونات عالمياً، غالباً من موردين منفردين.
تداعيات استراتيجية
تتردد التداعيات الاستراتيجية لهذا النقص عبر الناتو. ويواجه الحلف الآن مشهداً معقداً تهيمن عليه الحرب الصاروخية والطائرات بدون طيار. ويسلط دعوة روبيو للحلفاء لتقاسم أنظمة باتريوت الضوء على الحاجة إلى عمل جماعي، ولكنه يكشف أيضاً عن خلافات داخل الناتو.
الابتكار التكنولوجي
يوفر الابتكار التكنولوجي مساراً محتملاً إلى الأمام. وبدأت الولايات المتحدة وحلفاؤها في استكشاف حلول دفاع جوي من الجيل التالي لتكملة أنظمة مثل باتريوت. وتعد أسلحة الطاقة الموجهة، مثل الليزر عالي الطاقة، بتحييد التهديدات بجزء صغير من تكلفة الصواريخ التقليدية.
دور باتريوت في الحرب الحديثة
يمتد دور باتريوت في الحرب الحديثة إلى ما وراء مواصفاته الفنية. فنشره يشير إلى نية استراتيجية، ويطمئن الحلفاء ويردع الخصوم. وبالنسبة لدول مثل بولندا، التي تدير أنظمة باتريوت على طول حدودها مع بيلاروسيا، يمثل النظام حصناً ضد التهديدات الإقليمية.
مقارنة مع الأنظمة المنافسة
بالمقارنة، يوفر نظام S-400 الروسي، الذي غالباً ما يُستشهد به كمنافس لنظام باتريوت، مدى اشتباك أطول وقدرة صاروخية أكبر لكل بطارية. ومع ذلك، فإن قابليته للتشغيل البيني مع أنظمة الناتو غير موجودة، مما يحد من جاذبيته للحلفاء الغربيين.
الضغوط الإضافية
تواجه الولايات المتحدة ضغوطاً إضافية في تخصيص مخزوناتها من أنظمة باتريوت. وتتنافس الاحتياجات المحلية، بما في ذلك الدفاع ضد التهديدات الصاروخية المحتملة من خصوم مثل كوريا الشمالية أو إيران، مع طلبات من الحلفاء.
التعاون الصناعي
تمتد الجهود المبذولة لمعالجة هذه التحديات إلى ما وراء الإنتاج. وضغطت الولايات المتحدة من أجل تعاون صناعي أكبر مع الحلفاء، وتشجيع الإنتاج المشترك للمكونات الحيوية. وتهدف مبادرات مثل مبادرة “درع السماء الأوروبية”، التي أطلقت في عام 2022، إلى تبسيط شراء الدفاع الجوي عبر الناتو، على الرغم من أن التقدم لا يزال بطيئاً.
لحظة محورية
من منظور أوسع، تشير تصريحات روبيو إلى لحظة محورية للدفاع الغربي، إذ يكشف عدم القدرة على زيادة إنتاج أنظمة مثل باتريوت بسرعة عن نقاط ضعف في هيكل الأمن العالمي. ومع انتشار التهديدات الصاروخية والطائرات بدون طيار، فإن الطلب على الدفاعات الجوية المتقدمة سينمو فقط.