في تصعيد دراماتيكي للنزاع الإسرائيلي الإيراني، استهلكت الولايات المتحدة ما يقدر بنحو 15 إلى 20% من مخزونها العالمي من صواريخ “ثاد” الاعتراضية خلال 11 يومًا فقط، في الفترة من 13 إلى 24 يونيو 2025، لتعزيز الدفاعات الجوية لإسرائيل ضد وابل الصواريخ الباليستية الإيرانية.
هذا الاستنزاف غير المسبوق، الذي تجاوزت تكلفته 800 مليون دولار، أثار تساؤلات ملحة حول استدامة موارد الدفاع الصاروخي الأمريكية والمقايضات الاستراتيجية لتخصيص مثل هذه الأصول الحيوية لمسرح عمليات واحد.
إن الاشتباك المكثف لنظام “ثاد”، المصمم لمواجهة التهديدات الباليستية على ارتفاعات عالية، يسلط الضوء على التحديات المتطورة للدفاع الصاروخي الحديث والتطور المتزايد للترسانة الإيرانية.
أصول وتطور نظام ثاد
نشأ نظام “ثاد” استجابة من الجيش الأمريكي للتهديدات المتزايدة للصواريخ الباليستية في حقبة ما بعد الحرب الباردة. طورت شركة لوكهيد مارتن نظام “ثاد” في التسعينيات لمواجهة القدرات الصاروخية المتنامية لدول مثل كوريا الشمالية وإيران، اللتين كانتا تسعيان لامتلاك صواريخ باليستية متوسطة وبعيدة المدى قادرة على حمل رؤوس حربية تقليدية أو نووية.
حقق النظام أول انتشار تشغيلي له في عام 2008، مما يمثل تقدماً كبيراً في تكنولوجيا الدفاع الصاروخي الأمريكية. كان تركيزه الأولي على حماية الحلفاء الرئيسيين والقوات الأمريكية من تهديدات الصواريخ الباليستية المباشرة نسبياً، مثل صواريخ نودونغ الكورية الشمالية أو سلسلة شهاب الإيرانية.
بمرور الوقت، تطورت طبيعة التهديدات الصاروخية بشكل كبير. كانت ترسانات الصواريخ الباليستية المبكرة محدودة العدد وتعتمد على مسارات يمكن التنبؤ بها، مما يجعلها أهدافًا قابلة للتطبيق لأنظمة مثل “ثاد”.
لكن الخصوم طوروا منذ ذلك الحين استراتيجيات هجوم معقدة وهجينة، تجمع بين رشقات الصواريخ المكثفة والطائرات بدون طيار التي تحلق على ارتفاع منخفض والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت المحتملة لإغراق الدفاعات متعددة الطبقات.
شهد نظام “ثاد” عمليات محدودة في تلك الاشتباكات، حيث اعترض بنجاح بعض الصواريخ الباليستية لكنه عانى ضد التهديدات المنخفضة الارتفاع، مما كشف عن ثغرات في مظروفه التشغيلي. أظهر انتشار ملحوظ في غوام في عام 2013 قدرة نظام “ثاد” ضد التهديدات الكورية الشمالية المحاكاة، في حين أن وجوده في كوريا الجنوبية منذ عام 2017 كان حجر الزاوية في الردع، على الرغم من أنه لم يواجه أي قتال حقيقي حتى السنوات الأخيرة.
نظرة على نظام ثاد
نظام الدفاع الطرفي على ارتفاعات عالية هو منصة متخصصة للغاية مصممة لاعتراض الصواريخ الباليستية خلال مرحلتها النهائية، عادة على ارتفاعات بين 40 و 150 كيلومترًا. على عكس أنظمة الدفاع الجوي التقليدية التي تعتمد على رؤوس حربية متفجرة، يستخدم نظام “ثاد” معترضًا حركيًا “للتدمير بالاصطدام”، والذي يدمر الصواريخ القادمة من خلال التأثير المباشر بسرعات تفوق سرعة الصوت.
تتكون كل بطارية “ثاد” من ستة إلى تسعة قاذفات مثبتة على شاحنات، تحمل كل منها ثمانية صواريخ اعتراضية، ورادارAN/TPY-2 X-band قوي، ومركز عمليات تكتيكي متنقل. رادار AN/TPY-2، القادر على اكتشاف الأهداف على بعد يصل إلى 3000 كيلومتر في وضع متقدم، هو العمود الفقري للنظام، ويوفر بيانات تتبع دقيقة لتوجيه الصواريخ الاعتراضية.
تبلغ تكلفة الصاروخ الاعتراضي الواحد ما يقرب من 12 إلى 15 مليون دولار، مما يعكس التكنولوجيا المتقدمة المطلوبة لتحقيق دقته المتناهية.
يحتل نظام “ثاد” مكانة فريدة في الدفاع الصاروخي، ويختلف عن أنظمة مثل نظام باتريوت PAC-3 الأمريكي، الذي يستهدف التهديدات على ارتفاعات منخفضة، أو نظامي آرو 2 وآرو 3 الإسرائيليين، المصممين للاعتراضات خارج الغلاف الجوي وعلى ارتفاعات عالية.
تسمح قدرة النظام على الحركة بالانتشار السريع في المناطق المتنازع عليها، ولكن مع وجود سبع بطاريات عملياتية فقط على مستوى العالم – وسرعان ما ستصبح ثمانية – يواجه الجيش الأمريكي قيودًا في تغطية مسارح متعددة. إن اعتماد النظام على عدد محدود من الصواريخ الاعتراضية وتكلفته العالية لكل طلقة يجعله أصلاً استراتيجياً، ومخصصاً للتهديدات الحرجة بدلاً من الاستخدام الواسع النطاق.
ثاد في النزاع الإسرائيلي الإيراني
بدأ نشر نظام “ثاد” في إسرائيل في أكتوبر 2024، في أعقاب هجوم صاروخي واسع النطاق شنته إيران في الأول من أكتوبر، والذي شهد إطلاق أكثر من 200 صاروخ باليستي رداً على الضربات الإسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية. وبحسب ما ورد، تم إرسال بطارية “ثاد” ثانية في أبريل 2025، على الرغم من أن البنتاغون لم يؤكد هذه الخطوة رسمياً.
جاء الاستخدام المكثف للنظام خلال فترة 11 يومًا من 13 إلى 24 يونيو 2025، عندما أطلقت إيران رشقات صاروخية متعددة تستهدف المدن الإسرائيلية، بما في ذلك تل أبيب وحيفا وبئر السبع.