أعلنت وسائل الإعلام العبرية، أمس، وفاة الجاسوس الإسرائيلي روبرت داسا عن عمر يناهز 91 عامًا، والذي يعتبر آخر الجواسيس الإسرائيليين المتورطين في “فضيحة لافون” التي تسببت في أزمة سياسية وعسكرية كبيرة داخل كيان الاحتلال، وبسببها أمضى “داسا” 14 عامًا في السجون المصرية بعد إدانته في واحدة من أكبر فضائح التجسس الإسرائيلية التي كشفتها مصر في خمسينيات القرن الماضي.
روبرت داسا جاسوس “فضيحة لافون”
وفاة الجاسوس الإسرائيلي روبرت داسا تُعد نهاية رمزية لواحدة من أكبر الفضائح الاستخباراتية للكيان الإسرائيلي، وفقًا لما نشرته وسائل الإعلام الإسرائيلية مثل صحيفة “هاآرتس”، فإن “داسا” كان جزءًا من شبكة تجسس إسرائيلية جُنِّدت لتنفيذ عمليات تخريبية ضخمة ضد المنشآت الأمريكية والبريطانية في مصر.
روبرت داسا، الذي كان يبلغ 18 عامًا عند تجنيده، تحدث في تصريحات سابقة عن الظروف التي قادته للانضمام إلى هذه الخلية، واصفًا تلك الفترة بأنها كانت مليئة بالقرارات الخاطئة وغير المسؤولة من قبل الضباط الإسرائيليين الذين قامو بتجنيده.
يهود مصر.. بداية القصة وهدفها
في عام 1954، قامت الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ممثلة في “الوحدة 131” بتجنيد مجموعة من اليهود المصريين للقيام بسلسلة من التفجيرات تستهدف مواقع مدنية وبنايات بريطانية وأمريكية داخل مصر، وكان الهدف الرئيسي من هذه العمليات التخريبية هو تقويض حكم الرئيس المصري جمال عبد الناصر، وإجبار بريطانيا على التراجع عن قرار الجلاء عن مصر -وقيل قرار سحب قواتها من قناة السويس-، وذلك عبر إظهار مصر كدولة غير مستقرة سياسياً وأمنياً.
وبالفعل نفذت الخلية الاسرائيلية 7 عمليات إرهابية شملت تفجيرات في مواقع حيوية في كل من القاهرة والإسكندرية، لكن العملية الأخيرة التي كانت تستهدف إحدى دور السينما في الإسكندرية باءت بالفشل بعدما اشتعلت إحدى القنابل في حاملها ولم تنفجر، مما أدى إلى اعتقال الجاسوس الذي كان يحملها، وكشف الشبكة بأكملها، وانتهت هذه القضية بإعدام اثنين من الجواسيس، وانتحار ثالث في السجن، والحكم على الآخرين بالسجن لفترات طويلة.
آخر فصول شبكة التجسس الإسرائيلية
من بين أبرز أعضاء هذه الشبكة كان الجاسوس الإسرائيلي روبرت داسا، الذي أُلقي القبض عليه وحُكم عليه بالسجن لمدة 14 عامًا، وكان آخر أعضاء هذه الشبكة الذين أمضوا فترة سجنهم في مصر.
داسا تحدث في عدة مناسبات عن دوره في هذه العملية، معترفًا بأنهم كانوا مجرد شبان صغار قد تم تجنيدهم من قبل ضباط إسرائيليين كبار في السن وغير مسؤولين، وأشار في مقابلات سابقة إلى أن الضباط الذين قادوا العملية لم يفكروا في احتمال الفشل، وأنهم تصرفوا بطريقة غير مبالية.
تأثير فشل العملية على الداخل الإسرائيلي
وكشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية أن “بنيامين جيبلي” رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية في خمسينيات القرن الماضي، هو من أصدر الأوامر لتفعيل شبكة التجسس بناءً على توجيهات مباشرة من وزير الدفاع آنذاك بنحاس لافون.
ومع فشل العملية وكشف الشبكة، تخلّى لافون عن المسؤولية وحاول التنصل من دوره، مما دفع جيبلي إلى اتهامه بالخيانة، ونتيجة لذلك، أُلقي اللوم على جيبلي وتحول إلى “كبش فداء” في هذه الفضيحة التي هزت المؤسسة العسكرية والسياسية داخل الاحتلال لسنوات.
وكانت لهذه العملية الفاشلة تداعياتها الهائلة على المستوى الداخلي في دولة الاحتلال، إذ أدت إلى إقالة لافون من منصبه وتشكيل لجنة تحقيق سرية لمعرفة من المسئول، لكن اللجنة لم تتمكن من تحديد الشخص الذي أصدر الأوامر النهائية بتنفيذ العملية، وفي عام 1960 تم فتح تحقيق آخر بشبهة تزوير أدلة لتحميل لافون المسؤولية، وهو التحقيق الذي انتهى ببراءة لافون.
صراع داخلي في إسرائيل
لم يكن لفشل شبكة التجسس تداعياتها فقط على المستوى الأمني لكيان الاحتلال، بل أثرت أيضًا على الساحة السياسية الداخلية في إسرائيل، حيث استقال وزير الدفاع الإسرائيلي بنحاس لافون من منصبه، بعد أن تم كشف الشبكة وفشل العملية، ما أدى إلى تفجر صراع سياسي كبير داخل حكومة الاحتلال.
ورفض رئيس الوزراء الإسرائيلي حينذاك دافيد بن غوريون الاعتراف بنتائج التحقيق الذي برّأ “لافون”، مما تسبب في أزمة سياسية كبيرة وأُطلق على هذه القضية “فضيحة بن غوريون” ما أدى إلى استقالته أيضا لاحقا، هذه الأحداث أثارت انقسامات داخلية عميقة في النظام السياسي للاحتلال.
فضيحة دولية
وعلى الصعيد الدولي، فضحت “فضيحة لافون” الطموحات الإسرائيلية في زعزعة استقرار مصر وتقويض حكم الرئيس عبد الناصر، وهو ما أدى إلى زيادة توتر العلاقات بين الاحتلال والدول الغربية، فبدلاً من تحقيق أهدافها كشفت هذه الفضيحة عن عمق التعقيدات التي واجهتها إسرائيل في محاولاتها للتأثير على السياسة الإقليمية.
منعطف تاريخي بعد كشف أكبر شبكة تجسس في مصر
فضيحة لافون لم تكن مجرد حادثة تجسس فاشلة، بل كانت منعطفًا تاريخيًا في الصراع الاستخباراتي بين مصر وإسرائيل، وتُعد هذه الفضيحة حتى اليوم درسًا في فشل العمليات الاستخباراتية والتداعيات السياسية التي قد تتبعها.
ومع وفاة الجاسوس الاسرائيلي روبرت داسا بعد حوالي 70 عامًا من هذه القضية، أغلقت صفحة رمزية من تاريخ الصراع الاستخباراتي بين القاهرة وكيان الاحتلال، لكن ستظل “فضيحة لافون” واحدة من أهم وأبرز الفصول في تاريخ هذا الصراع.