في تحرك يترقبه الشارع السياسي العراقي، تتجه قوى شيعية فائزة بالانتخابات الأخيرة نحو حسم مصير “الحشد الشعبي” والفصائل المسلحة المرتبطة بإيران، وسط تعقيدات إقليمية ودولية.
العملية، التي تتطلب إجماعاً داخل “الإطار التنسيقي” الشيعي، وموافقة إيرانية، ومباحثات مع واشنطن، تأتي في ظل ضغوط متزايدة.
ملف الحشد الشعبي
أفادت مصادر مطلعة من أحزاب وفصائل ودوائر أمنية، بأن أطرافاً شيعية تسعى بجدية إلى معالجة ملف “الحشد الشعبي” وسلاح الفصائل، في ظل تزايد الشعور بأن القوى الشيعية انخرطت في صراعات داخلية مدمرة.
هذه الصراعات تركزت حول النفوذ داخل الحشد، ما دفع إلى إعادة النظر في هيكل هذه المؤسسة الأمنية.
مسار فني معقد
في حال التوصل إلى قرار سياسي، فإن الاتفاق على المسار الفني لحل، أو دمج، أو إعادة هيكلة “الحشد الشعبي” لن يستغرق وقتاً طويلاً، ولكنه سيخضع لملاحظات أميركية دقيقة.
الملف معقد بسبب تداخل المصالح بين الفاعلين المحليين، وضرورة الحصول على موافقة نهائية من إيران، والتكيف مع المتطلبات الأميركية المتعلقة بالوضع الجديد في الشرق الأوسط، والتي تشترط إنهاء جميع مصادر التهديد.
تجربة سابقة ناجحة
سبق للعراق أن دمج عناصر “منظمة بدر” الشيعية في وزارة الداخلية بأسلحتها، وتحول زعيمها هادي العامري إلى العمل السياسي، وشارك في خمس دورات انتخابية منذ عام 2003.
يرى مسؤولون أمنيون أن عملية الدمج أخضعت المسلحين لقرار مركزي بيد وزير الداخلية، رغم اتهام البعض لوزارة الداخلية بالخضوع لتأثير الميليشيات الشيعية.
تحديات جديدة
الوضع الحالي يختلف بشكل كبير بسبب تعدد الفصائل، وتضارب المصالح بين قادتها، واختلاف مواقفهم من الدمج، أو نزع السلاح، والانتقال إلى العمل السياسي.
هذه التحديات تجعل عملية إعادة هيكلة “الحشد الشعبي” أكثر تعقيداً من التجارب السابقة.
مرحلة جديدة للعراق
أكد قيادي شيعي بارز أن “العراق لن يحتاج إلى استخدام السلاح في المرحلة المقبلة”، مشيراً إلى أن “وضع البلد متماسك، ويتطلب إجراء تغييرات على مستوى الأمن”.
هذا التحول في الخطاب يعكس تغيراً في الأولويات السياسية للقوى الشيعية، وتوجهاً نحو الاستقرار المؤسسي.
تغييرات سياسية
قبل سنوات، كان هذا القيادي من أشد المدافعين عن “محور المقاومة” والرافضين لنزع سلاحه، لكن العديد من قادة التحالف الشيعي الحاكم أجروا تعديلات على مواقفهم السياسية قبل الانتخابات العامة في نوفمبر 2025.
هذا التغيير يفسره البعض بأنه هامش حرية سياسية للجماعات الشيعية نتيجة تراجع النفوذ الإيراني، بينما يرى آخرون أنه محاولة من طهران لكسب الوقت وتحسين ظروفها التفاوضية.
مفاوضات الحكومة
تندرج النقاشات حول “الحشد الشعبي” في صلب مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة واختيار مرشح لرئاستها.
تقترح قوى شيعية أن يتضمن البرنامج الحكومي الجديد بنوداً واضحة تعالج هذه المسألة، بما يتماشى مع المتغيرات الجيوسياسية في المنطقة.
تسليم السلاح الثقيل
صرح نوري المالكي، رئيس ائتلاف “دولة القانون”، بأن “الفصائل تريد تسليم سلاحها الثقيل والانخراط في الدولة”، ما يعكس توجهاً نحو دمج هذه الفصائل في المؤسسات الرسمية.
يتطلب أي رئيس حكومة في العراق تقديم برنامج حكومي للتصويت عليه خلال منح الثقة في البرلمان.
صراع ونفوذ
توصلت الأحزاب الشيعية التي تمتلك أذرعاً مسلحة، إلى قناعة بأن استمرار هيئة “الحشد الشعبي” بوضعها الحالي كأداة في الصراع الداخلي، يشكل خطراً عليها.
يتذمر قادة الأحزاب من استغلال الحشد في التوازنات المحلية بين الحلفاء والخصوم، ودخول فصائل فيه طرفاً في التوتر الإقليمي.
انتقادات سابقة
أصدر رئيسا الوزراء السابقان، نوري المالكي وحيدر العبادي، مواقف ناقدة لـ”الحشد الشعبي”، ورغم دوافعهما المختلفة، كانت الهيئة محل تصويب سياسي من قبل قادة شيعة متنفذين.
الخلاف على منصب رئيس هيئة “الحشد الشعبي” كان من أبرز ملامح الصراع خلال الأشهر الماضية، وسط تنافس بين الفصائل الشيعية للسيطرة على الموقع.
موافقة إيرانية ضرورية
يتزامن ازدياد القلق الشيعي مع عوامل إقليمية ضاغطة، ولن يحدث شيء دون موافقة طهران، فملف “الحشد الشعبي” ليس شأناً محلياً، وهناك ظروف داخلية تتطلب إجراء تغييرات، ولكن التنفيذ يحتاج إلى كلمة واضحة ومحددة من طهران.
في يناير 2025، أبلغ المرشد الإيراني علي خامنئي، رئيس الحكومة العراقية محمد السوداني، بـ”ضرورة تعزيز دور (الحشد الشعبي) وتوسيعه”.
خيارات الدمج والحل
يميل القيادي الشيعي إلى الاعتقاد بأن إيران “صاحبة الكلمة الحاسمة في هذا الملف، ليست هي نفسها قبل عامين، وليس من المتوقع أن تظهر موقفاً متزمتاً”.
إيران في حال وافقت ستلجأ إلى طرق دمج أو حل سبق أن جربتها في العراق، ونجحت، وستكون للمستشارين المعنيين في “الحرس الثوري” دور في وضع اللمسات الفنية.
مسارات فنية مطروحة
لكل طرف شيعي في “الإطار التنسيقي” تصور مختلف عن معالجة وضع “الحشد الشعبي”، إلا أن الأفكار الرئيسية تتلخص في عدة مسارات أساسية.
الآليات الفنية ليست جديدة، وبعضها مطروح منذ ثماني سنوات، وقد أضيف عليها وجرى تعديلها مرات عديدة، ولكنها جميعها وضعت على الرف بسبب غياب التوافق.
هيكلة الدولة
يقضي أحد المسارات بدمج “الحشد الشعبي” ضمن هيكل الدولة، لضمان عدم تحويله إلى قوة موازية، ولكن الخلاف يتعلق بدمجهم أفراداً أو وحدات كاملة.
يقترح مسار آخر تقليص عديد المقاتلين المنضوين تحت مظلة “الحشد الشعبي”، إلى الدرجة التي تسمح للقائد العام للقوات المسلحة بالسيطرة على تحركاتهم، وتخفيف الأعباء المالية على الموازنة.
الإشراف العسكري
يفترض مسار آخر الإبقاء على هيكل “الحشد الشعبي” الحالي، ولكن بعد فك ارتباط وحداته عن الجماعات السياسية والفصائل، ووضعها بإمرة قادة عسكريين يتبعون القائد العام للقوات المسلحة.
ترتبط كل وحدة في “الحشد الشعبي” بفصيل مسلح، وتتلقى أوامر مختلفة من قادة فصائل لا ينسقون ميدانياً بعضهم مع بعض، ولا يعودون في كثير من الظروف إلى رئيس الهيئة.
مسار متوازن
يرى أصحاب مسار فك الارتباط أن هذا المسار متوازن بين الإبقاء على وجود الحشد، ووضعه تحت إشراف عسكري مؤسسي دون تفكيكه بالكامل.
المسار النهائي قد يجمع بين المسارات الثلاثة، مع ترجيح السماح لشخصيات فصائلية بالانتقال إلى العمل السياسي.
مفاوضات غير تقليدية
ينتظر أن يخضع ملف “الحشد الشعبي” لنقاشات مع مفاوضين أميركيين، وستحدد الشكل النهائي للمسار الفني بناءً على ما ستنتهي إليه تلك النقاشات.
تريد الولايات المتحدة نزع سلاح الميليشيات التي تتهمها بسرقة موارد العراق لصالح إيران.
تأثير الانتخابات
بعد النتائج الإيجابية التي حققها “الإطار التنسيقي” في الانتخابات الأخيرة، يحتاج في المرحلة المقبلة إلى التصرف بشكل مباشر في هذا الملف، وإبعاد رئيس الوزراء من أن يكون هو جهة الحوار بشأن السلاح.
من المرجح أن تنشأ بيئة تفاوض غير تقليدية بهامش واسع بين ممثلين عن الإطار التنسيقي، والمبعوث الأميركي إلى العراق، الذي سيلعب دوراً غير رسمي، لكنه سيعبر عن السخط الأميركي من محاولات تأخير وتسويف ملف السلاح في العراق.


