في الساعات الأولى من يوم 18 فبراير، تعرضت قاعدة حميميم الجوية الروسية في سوريا لهجوم بطائرات مسيرة. ووفقًا للمراسل الحربي أوليغ بلوكين، تم إصدار حالة تأهب في الساعة 2:30 صباحًا بالتوقيت المحلي. وقد أفاد بلوكين أن “الهجوم تم تصنيفه كـ’هجوم بري عدوي’، حيث تفاعلت على الفور منظومة الدفاع الجوية بانستير، وسمعت أصوات إطلاق نار وانفجارات”، وفقًا لتقرير نشره عبر قناته.
تفاصيل الهجوم
بعد حوالي ساعة من الهجوم، تراجعت أصوات إطلاق النار، لكن حالة التأهب ظلت سارية. كما أكدت مصادر روسية، بما في ذلك VChK-OGPU وأسترا، وقوع الهجوم، ولكن دون تفاصيل إضافية. وحتى وقت النشر، لم تصدر وزارة الدفاع الروسية أي بيان رسمي حول الحادث.
ما زال غير واضح ما هي نماذج الطائرات الحربية المتواجدة في القاعدة خلال الهجوم. لكن موقع BulgarianMilitary ذكر أنه قبل عدة أشهر، كانت هناك طائرات Su-34 وSu-35 وMiG-29 متمركزة في القاعدة.
المسؤول عن الهجوم
يأتي الهجوم وسط اتهامات لهيئة تحرير الشام في وقت تتفاوض فيه موسكو مع القيادة السورية الجديدة للحفاظ على وجودها العسكري في قاعدة حميميم ومنشأة طرطوس البحرية.
في هذه الأثناء، تشير التقارير إلى أن روسيا قامت مؤخرًا بتحويل مبلغ كبير من الليرات السورية المطبوعة حديثًا إلى دمشق، مما أثار التكهنات حول الدعم المالي للحكومة السورية الجديدة. وتفيد مصادر بلومبرغ أن موسكو قريبة من تأمين صفقة للإبقاء على قواتها العسكرية في سوريا مقابل المساعدة في العمليات ضد داعش ومواجهة النفوذ التركي في المنطقة.
تغير الوضع في سوريا
في الوقت نفسه، بدأت روسيا بالفعل في سحب بعض الأصول العسكرية من سوريا، مما يشير إلى تحول محتمل في وجودها على المدى الطويل. قاعدة حميميم الجوية، الواقعة في محافظة اللاذقية الساحلية، تعد لفترة طويلة ركيزة أساسية في الاستراتيجية العسكرية الروسية بالشرق الأوسط.
منذ تدخل روسيا لدعم الأسد في عام 2015، أصبحت القاعدة محورًا لتحويل مجرى الصراع، حيث كانت نقطة الانطلاق الرئيسية للهجمات الجوية الروسية التي ساعدت الأسد في استعادة الأراضي من قوات المعارضة، مما أظهر قوة موسكو العسكرية وقدرتها على الهيمنة بعيدًا عن حدودها.
قاعدة لا تقدر بثمن
لم تكن قاعدة حميميم مجرد منشأة عسكرية؛ بل كانت تمثل إعلانًا عن عودة روسيا كقوة عالمية. في عام 2017، زار الرئيس فلاديمير بوتين القاعدة، معلنًا نوعًا من النصر في سوريا، مشددًا على التزام روسيا الطويل الأمد بالمنطقة.
حصلت الحكومة السورية، في مقابل الدعم العسكري الروسي، على عقد إيجار لمدة 49 عامًا لقاعدة حميميم وقاعدة طرطوس البحرية، مما ضمن لروسيا موطأ قدم استراتيجي في البحر الأبيض المتوسط. سمحت هذه الاتفاقية لروسيا بتمديد نفوذها إلى أفريقيا، متخذة من حميميم نقطة انطلاق لنشر المتعاقدين العسكريين والمعدات.
تحديات جديدة
ومع ذلك، فقد تغير المشهد بشكل كبير مع سقوط الأسد. وقد تعرضت أهمية القاعدة للتمحيص، حيث أصبحت القيادة السورية الجديدة، التي تتولى زمام الأمور، تتكون من جماعات كانت مستهدفة سابقًا من الغارات الجوية الروسية.
تشير صور الأقمار الصناعية إلى انخفاض ملحوظ في النشاط في قاعدة حميميم، حيث تُظهر استعداد طائرات الشحن لنقل المعدات، مما يوحي بسحب أو إعادة تموضع للأصول. ورغم ذلك، لا تزال المسؤولون الروس في حوار مع السلطات الجديدة، بهدف تأمين ضمانات لاستمرار تشغيل قواعدهم.
خسارة قاعدة حميميم
لا يمكن المبالغة في أهمية قاعدة حميميم بالنسبة لروسيا. ففقدان هذه القاعدة سيمثل تراجعًا استراتيجيًا، كما أنه سيمثل ضربة لهيبة روسيا. كانت القاعدة جزءًا أساسيًا من الاستراتيجية الجيوسياسية الروسية الأوسع، مما أتاح للبلاد تحدي النفوذ الغربي في المنطقة والحفاظ على وجود عسكري قادر على التصدي للأزمات من ليبيا إلى السودان.
تمنح قاعدة حميميم، الواقعة على الساحل المتوسطي، روسيا ميزة استراتيجية، حيث يمكنها القيام بعمليات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي مناطق حيوية في السياسة العالمية للطاقة وطرق الهجرة.
الدبلوماسية الروسية الجديدة
اليوم، مع انهيار نظام الأسد، تحول نهج روسيا نحو الدبلوماسية. تلقت مصادر روسية تأكيدًا على أن القواعد في حالة تأهب عالي، لكن هناك أيضًا تأكيد بعدم وجود تهديد مباشر لأمنها.
يشمل هذا التوازن الدقيق التفاوض مع قوى كانت تُصنف سابقًا على أنها إرهابية، أصبحت الآن في موقع السلطة، لضمان قدرة روسيا على الحفاظ على وجودها العسكري.
مستقبل قاعدة حميميم تحت هذا النظام الجديد لا يزال غامضًا. بينما أبدت بعض الأصوات داخل المعارضة استعدادها للسماح بالوجود الروسي إذا كان يتماشى مع مصالحها، أقل حذرًا أولئك الذين يرفضون ماضي العدائيات.
أهمية قاعدة حميميم
بالنسبة لروسيا، فإن الحفاظ على قاعدة حميميم لا يعد مجرد احتفاظ بقاعدة عسكرية، بل هو أيضًا الحفاظ على جزء من رقعة الشطرنج العالمية، مما يضمن عدم تراجع نفوذ موسكو في الشرق الأوسط مع مغادرة الأسد.
لذلك، فإن الوضع في حميميم يمثل صورة مصغرة للتغيرات الجيوسياسية الأوسع، حيث تلتقي القوة العسكرية بتعقيدات الدبلوماسية بعد النزاع. يعتمد استمرار روسيا في استغلال قاعدة حميميم بكفاءة كما كان من قبل على مدى قدرتها على التنقل في هذه المياه السورية الجديدة، حيث أصبحت الأعداء السابقة الآن شركاء محتملين، وكل خطوة تُراقب تحت أنظار القوى الإقليمية والعالمية.
الحرب الأهلية السورية
الحرب السورية التي اندلعت في عام 2011 كانت صراعًا معقدًا ودمويًا أعاد تشكيل المشهد السياسي، حيث انتهت بسقوط نظام بشار الأسد. بدأت الأحداث كنتيجة لاحتجاجات الربيع العربي، حيث تطورت من مظاهرات ضد الفساد الحكومي ونقص الحرية والأزمة الاقتصادية إلى حرب شاملة.
تكثفت صراعات الحرب بفعل مزيج من التظلمات الداخلية والتأثيرات الخارجية. وتحولت الاحتجاجات السلمية في مدن مثل درعا إلى عنف، مما دفع العديد من السوريين لحمل السلاح. كانت المعارضة مجزأة منذ البداية، حيث تشكلت من منشقين عن جيش الأسد الذين أسسوا الجيش السوري الحر إلى مجموعة من الفصائل الإسلامية، كل منها يحمل رؤى مختلفة لمستقبل سوريا. كانت هذه الفوضى أحد العوامل الرئيسية لاستمرار النزاع.
التدخل الروسي
استفادت نظام الأسد الذي تلقى دعمًا من روسيا وإيران من استراتيجيات عسكرية ثقيلة، بما في ذلك استخدام البراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية للحفاظ على السيطرة. لم تؤد هذه الأفعال فقط إلى سقوط آلاف القتلى من المدنيين، بل أيضًا جلبت الإدانات الدولية والتدخل. من جانبها، تلقت مجموعات المتمردين دعمًا من دول مثل تركيا والسعودية والولايات المتحدة، رغم أنه غالبًا كان غير مباشر ومتحفظ ومتعارض في بعض الأحيان.
جاءت النقطة الفاصلة مع التدخل العسكري الروسي في عام 2015. غيرت الضربات الجوية الروسية، التي كانت تهدف ظاهريًا إلى مواجهة داعش ولكنها استهدفت أيضًا جماعات المعارضة الأخرى، موازين القوى لصالح الأسد. وأسفر الصراع في حلب، الذي كان يُعتبر رمز الثورة، عن واحد من أكثر الحلقات دمارًا في الحرب، حيث انتهت باستعادة القوات الحكومية للمدينة في عام 2016، مما شكّل ضربة كبيرة لمعنويات المعارضة وقدراتها.
أزمة إنسانية
ومع تطور الصراع، شهدت الحرب طبيعة جديدة مع صعود تنظيم داعش، الذي أعلن عن خلافة في أجزاء من سوريا والعراق، مما أضاف طبقة إضافية من التعقيد. ركز الائتلاف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة على هزيمة داعش، غير مدرك بأنه يتعاون مع بعض أعداء الأسد لتحقيق هذا الهدف. في هذه الأثناء، تمكنت القوات الكردية، بدعم أمريكي، من تحقيق استقلالية في الشمال الشرقي، مما زاد من تفكك البلاد.
كان للكارثة الإنسانية تأثير كارثي. تم تهجير ملايين الأشخاص، مما أدى إلى واحدة من أسوأ أزمات اللاجئين في تاريخ العالم. دُمرت مدن مثل حمص وحلب والرقة، مع تدمير البنية التحتية المدنية. ساهمت أساليب الحرب بالحصار وحصار التجويع من جميع الأطراف في زيادة المعاناة.
نهاية الصراع
لم يكن سقوط نظام الأسد نتيجة الهزيمة العسكرية، بل كان نتيجة لتراكم الضغوط السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فشلت الجهود الدبلوماسية، بما في ذلك محادثات أستانا وجنيف، في إحلال السلام لكنها حافظت على اهتمام المجتمع الدولي بسوريا. بحلول أواخر 2023، بدأت الديناميات الداخلية داخل دائرة الأسد، جنبًا إلى جنب مع الانهيار الاقتصادي الواسع النطاق، أدت إلى تحول حيث بدأ أقرباؤه في اعتباره عبئًا بدلاً من أصل.
جاءت المرحلة النهائية مع حدوث سلسلة من الانشقاقات، وانهيار الاقتصاد السوري، وضغوط دولية تدعو الأسد للتنحي. وفي تحول مفاجئ، سهلت عناصر داخل جيشه والأجهزة السياسية الانتقال إلى هيكل حكومي جديد، بهدف إنهاء الحرب وبدء عملية إعادة بناء طويلة الأمد. كانت هذه الانتقالة فوضوية، حيث تنافست عدة فصائل على السلطة، لكن انتهاكها شكل نهاية لعهد الأسد، تاركًا وراءه أمة مثقلة بالأعباء تعاني من آثار حرب أهلية أعادت تعريف الجغرافيا السياسية للمنطقة.