أكد تقرير بريطاني على صعود مصر كقوة دبلوماسية متجددة، تتبنى رؤية استراتيجية واضحة لمواجهة التحديات الإقليمية في أوقات التوتر المتزايد في منطقة الشرق الأوسط.
مرونة دبلوماسية ملحوظة
وفقًا لتقرير صادر عن مؤسسة “جي آي إس” الأوروبية لتحليل السياسات، يستعرض الدبلوماسية المصرية تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، التي أظهرت مرونة وقوة خاصة في التعامل مع الأزمات الراهنة مثل الحرب في غزة، ومحاربة الإرهاب في سيناء، وكذلك التحديات الاقتصادية الناتجة عن جائحة كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا.
يسلط التقرير الضوء على انتعاش دور مصر كوسيط إقليمي، مستفيدة من موقعها الجغرافي وعلاقاتها الدولية المتوازنة، فضلاً عن خبرتها في إدارة الأزمات.
استعادة النفوذ الإقليمي
تحت عنوان “عودة الدبلوماسية المصرية إلى البزوغ”، يوضح التقرير كيف استطاعت القاهرة تعزيز نفوذها الإقليمي رغم التحديات المستمرة منذ عام 2011. فقد كلفت جائحة كوفيد-19 مصر خسائر تقدر بـ16 مليار دولار، في حين أثر نقص إمدادات الحبوب بسبب الحرب في أوكرانيا بشكل سلبي على الوضع الاقتصادي.
على الرغم من هذه الصعوبات، تمكنت مصر من مواجهة الأزمات من خلال اتخاذ سياسات دبلوماسية مرنة، مع الحفاظ على علاقات قوية مع قوى عظمى مثل الولايات المتحدة وروسيا، مما ساعد على تعزيز مكانتها في المشهد الإقليمي.
دور مصر في أزمة غزة
يسلط التقرير الضوء على دور مصر المحوري في أحداث غزة التي بدأت في 7 أكتوبر 2023، حيث قامت القاهرة بمهام الوساطة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل لوقف إطلاق النار. وقد استفادت مصر من موقعها الجغرافي وعلاقاتها المباشرة مع جميع الأطراف الفلسطينية لتعزيز نفوذها الدبلوماسي.
كما أكد التقرير على اهتمام القيادة المصرية بمواجهة مخططات التهجير، حيث تمكنت من إيصال موقفها الرافض لهذه المخططات إلى عواصم العالم. ودعمت مصر خطط إعادة إعمار غزة، مع التأكيد على أن الحلول الوحيدة لتحقيق الاستقرار في المنطقة تكمن في استعادة الحقوق الفلسطينية وفقًا للشرعية الدولية.
مكافحة الإرهاب
يُشير التقرير إلى نجاح مصر في مكافحة الإرهاب بشبه جزيرة سيناء، وهو إنجاز يعزز من مكانتها الإقليمية. منذ عام 2015، خاضت مصر حربًا شاملة ضد الإرهاب، مستندة إلى جهود دبلوماسية استهدفت بناء تحالفات دولية وإقليمية لدعم هذه المعركة.
هذا النجاح لم ينحصر في الجوانب الميدانية فحسب، بل تسهم عملية مكافحة الإرهاب في تعزيز صورة مصر كدولة قادرة على مواجهة التحديات الأمنية بفاعلية، كما تمكنت القاهرة من كشف داعمي الإرهاب ومخططاتهم في المحافل الدولية.
توازن استراتيجي
يُبرز التقرير نهج الاتزان الاستراتيجي الذي تتبعه مصر، والحفاظ على علاقات قوية مع الولايات المتحدة وروسيا. هذا التوازن أتاح لها التحرك بثقة أكبر في الساحة الدولية، مما ساعد على تعزيز مصالحها الوطنية.
كما أشار التقرير إلى أن أزمة غزة أعادت قضية الفلسطينية إلى مركز الاهتمام العربي، مع قدرة مصر على تحويل المشهد الإقليمي من الانقسامات إلى التركيز على المصالح المشتركة.
المستقبل الدبلوماسي لمصر
يتوقع التقرير استمرارية جهود مصر الدبلوماسية لتحقيق السلام في السودان وليبيا، مستفيدة من خبرتها السابقة في الوساطة. ويؤكد التقرير أن الدبلوماسية المصرية ستظل لاعبًا رئيسيًا في صياغة مستقبل الشرق الأوسط من خلال نفوذها التاريخي وموقعها الاستراتيجي.
مع التاريخ الطويل لمصر كوسيط إقليمي، الذي يشمل اتفاقيات السلام مثل كامب ديفيد عام 1979، تظل البلاد في موقع استراتيجي يربط بين إفريقيا وآسيا، الأمر الذي يعزز من أهميتها الدبلوماسية. وتواجه مصر تحديات داخلية مثل ارتفاع التضخم ونقص الموارد، مما يزيد من أهمية نجاحها الدبلوماسي.
وأخيرًا، يُظهر تقرير “جي آي إس” أن الدبلوماسية المصرية ليست قاصرة على ردود الفعل على الأزمات، بل تتبع استراتيجية استباقية تهدف إلى تحقيق الاستقرار الإقليمي من خلال الوساطة ومكافحة الإرهاب وبناء تحالفات دولية. ومع استمرار التوترات في الشرق الأوسط، تبدو مصر مستعدة لقيادة جهود السلام مدعومة بخبرتها التاريخية ونفوذها المتجدد.