أثارت الحكومة المصرية الجدل بعد إعلانها عن زيادة الإنفاق على مخصصات التعليم في الموازنة العامة، وسط انتقادات من خبراء يؤكدون أن هذا الانفاق لا يتماشى مع التحديات الاقتصادية وزيادة عدد الطلاب.
التحديات المالية
ووفقاً لخبراء تحدثوا لموقع «الشرق الأوسط»، فإن «الإنفاق الحكومي لا يتناسب مع معدلات التضخم السنوية، فضلاً عن الزيادة المستمرة في أعداد الطلاب، ونقص المعلمين في المدارس».
تشير الموازنة الحالية للعام المالي المنتهي في 30 يونيو المقبل، إلى أن الإنفاق الفعلي على قطاع التعليم يبلغ نحو 295 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.2 جنيه)، وهو أقل من إجمالي المخصصات التي حددتها وزارة المالية والتي بلغت 565 مليار جنيه في “موازنة المواطن”.
المتطلبات الدستورية
وتنص المادة 19 من الدستور المصري على «ضرورة تخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للتعليم قبل الجامعي لا تقل عن 4 في المئة من الناتج القومي الإجمالي، على أن تتصاعد هذه النسبة تدريجياً مع المعدلات العالمية».
في سياق متصل، أكدت الدكتورة إسراء علي، الباحثة في المركز المصري للفكر والدراسات، أن الحكومة حققت المخصصات المالية للتعليم، مشيرة إلى أن نسبة الإنفاق الفعلي بلغت 2.6 في المئة، إذ تم زيادة المخصصات عن العام المالي الماضي.
النقص في المعلمين
من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي الدكتور كريم العمدة أن الزيادة السنوية في المخصصات لا تواكب معدلات التضخم التي تمتص الجزء الأكبر منها، فضلاً عن عدم استجابة الإنفاق للاحتياجات الفعلية لقطاع التعليم.
يكشف تقرير «الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء» عن زيادة بنسبة 1.7 في المئة في أعداد الطلاب، حيث بلغ العدد الإجمالي 28.5 مليون طالب مع زيادة قدرها 500 ألف طالب عن العام السابق، في حين توجد مشكلة في نقص المدرسين، حيث تراجع عددهم إلى 1.05 مليون معلم.
خطط التوظيف الجديدة
أعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي الشهر الماضي عن خطط الحكومة لتعيين 72 ألف معلم دفعة واحدة في العام المالي الحالي، وذلك في إطار جهود لسد النقص في أعداد المدرسين في المدارس الحكومية.
وفي نفس السياق، أشار الوزير الأسبق أحمد جمال الدين موسى إلى أن عدد المعلمين كان أكثر من مليون و200 معلم عام 2004، بينما العدد الآن في تراجع، مع تزايد أعداد الطلاب، مما شكل نقص المعلمين جزءاً أساسياً من معاناة الوزارة في العقود الماضية.
عجز المدارس
وفقًا للبيان المقدم من وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، محمد عبد اللطيف، أمام مجلس النواب، فإن الوزارة تواجه عجزًا يقدر بنحو 665 ألف معلم، بجانب احتياجها إلى 250 ألف فصل دراسي جديد.
وفي إطار معالجة هذا العجز، تم اتخاذ عدة إجراءات منها نقل المدارس الثانوية إلى الفترة المسائية لإتاحة الفصول في الفترة الصباحية للمدارس الإعدادية، وتبني نظام الفترتين في بعض المدارس.
تحسين البنية التحتية
أكد النائب طارق الطويل، عضو لجنة التعليم بمجلس النواب، على أهمية زيادة مخصصات التعليم تزامناً مع الزيادة السكانية التي تؤدي إلى حاجة ملحة لعدد أكبر من الفصول الدراسية.
ومع ذلك، يُشير الدكتور عاصم حجازي إلى أن تراجع معدلات الإنفاق يرتبط بأولويات مختلفة للوزارة، حيث يتم التركيز على الجوانب التكنولوجية بشكل متسارع دون معالجة أولويات أخرى، مثل تعيين المعلمين.
جودة الإنفاق
من جانب آخر، يبرز الدكتور كريم العمدة وجود مشكلة تتعلق بجودة الإنفاق وأوجه صرف الموارد المخصصة، وهو ما يتماشى مع تصريحات الدكتورة إسراء علي حول تراكم ما كان يجب إنفاقه على التعليم في سنوات سابقة، مما يزيد من أهمية دراسة تفصيلية للصرف.
وأدت التعينات المتوقفة في السنوات الماضية إلى تراجع الكفاءة النوعية في أعداد المعلمين، مما يتطلب وجود أعداد إضافية لتلبية الاحتياجات التعليمية الجديدة، مثل تعيين 15 ألف معلم لمادة البرمجة وفق تصريحات نائب وزير التعليم.
ضرورة الاستراتيجية الموحدة
ختاماً، يشدد طارق الطويل على ضرورة تجنب تغيير الاستراتيجيات بشكل متكرر مع تغيير الوزراء، مما يستدعي تبني استراتيجية موحدة للتعليم بغض النظر عن هوية الوزير. من جهته، دعا أحمد جمال الدين إلى إعادة النظر في آلية تعيين المعلمين واعتبارهم أكثر من مجرد موظفين حكوميين لضمان معالجة مشكلة العجز المستمر.