في تصريحات مثيرة، جدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تهديده باستعادة السيطرة على قناة بنما، مشيرًا إلى أن الصين “تشغل” هذا الممر البحري الحيوي، الذي يربط بين المحيطين الهادئ والأطلسي. ورغم الاعتراضات، فإن المشهد الكلي لا يزال معقدًا.
وحذر ترامب في حديثه بعد تنصيبه، من إمكانية اللجوء إلى الخيار العسكري “لاستعادة” القناة التي تمتد على مسافة 80 كيلومترًا، والتي كانت قد افتتحتها الولايات المتحدة في عام 1914 قبل أن تُنقل سيادتها إلى بنما منذ 25 عامًا.
في المقابل، أعرب رئيس بنما، خوسيه راوول مولينو، عن رفضه لتلك الادعاءات، مؤكدًا أن “القناة بنمية وستبقى كذلك”. الوكالة الحكومية المستقلة المعروفة باسم “هيئة قناة بنما” هي المسؤولة عن إدارة وتشغيل هذه القناة، وتعد الولايات المتحدة أكبر مستخدميها، تليها الصين.
عقبات أمام النقل
تجدر الإشارة إلى أن شركة صينية تدعى “هاتشيسون بورتس” تمتلك حقوق تشغيل مرفأي بالبوا وكريستوبال، المتواجدين عند كل من منفذي القناة على المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ.
من جانبه، أكد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أن “اندلاع أي نزاع” قد يؤدي إلى أمر الصين بإغلاق أو عرقلة حركة النقل عبر القناة، مشددًا على أن هذه القضية تشكل “مسألة خطيرة جدًا”.
في سياق متصل، أعلن مكتب المراقب المالي البنمي مؤخرًا عن بدء “تدقيق شامل” في شركة “مواني بنما”، وذلك “لتعزيز الاستخدام الفعال والشفاف للموارد العامة”، ولتحديد مدى التزام الشركة باتفاقات الامتياز الخاصة بها.
التعاون خلال التدقيق
في بيان رسمي، أكدت شركة “مواني بنما” أنها “تتعاون بالكامل” مع إجراءات التدقيق، مشددة على أن التحقيقات السابقة أثبتت التزامها بواجباتها التعاقدية.
كما أشار بنجامان غيدان، مدير برنامج أمريكا اللاتينية في مركز ويلسون، إلى وجود مخاوف مشروعة بشأن وجود شركة صينية في إدارة القناة، موضحًا أن “القناة تحمل قيمة كبيرة للولايات المتحدة، سواء من الناحية التجارية أو الاستراتيجية”.
من ناحية أخرى، دافعت ريبيكا بيل تشافيز، رئيسة مركز “الحوار الأمريكي” للدراسات، عن موقف بنما، مشيرة إلى أن “الصين لا تشغّل قناة بنما ولا تسيطر عليها”، وأن بنما “احترمت” حياد القناة بفعالية.
اتهامات ترامب الغاضبة
ترامب، الذي اتهم الولايات المتحدة بالتخلي “بغباء” عن القناة، أكد أن بنما “نهبت” المصالح الأمريكية، مطالبًا بأن تكون رسوم عبور السفن الأميركية أقل من الرسوم المفروضة حاليًا.
وأوضح الأستاذ أوكليدس تابيا، مختص العلاقات الدولية في بنما، أن هذه الاتهامات تمثل “حجة واهية” تهدف إلى تقليل العلاقات بين بنما والصين.
منذ استئناف بنما العلاقات الدبلوماسية مع بكين في عام 2017، شهدت التجارة الثنائية زيادة ملحوظة، رغم أن الولايات المتحدة لا تزال تحتفظ بمكانتها كشريكها الرئيسي في السياسة والتجارة.
مشاريع البنية التحتية الصينية
وعلى صعيد الاستثمارات، ساهمت الشركات الصينية في بناء مرفأ للسفن عند مدخل القناة، كما تجري مشاركة في مشروع لبناء جسر بتكلفة تصل إلى 1.4 مليار دولار.
خلال زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ لبنما عام 2018، عُرضت مشاريع إضافية تتجاوز قيمتها مئات الملايين من الدولارات، كما سعت الصين لإقامة سفارة قرب القناة، لكن هذا المشروع لم يتحقق وسط ضغوط أمريكية.
التزامات تاريخية
في الوقت الحالي، يتوجب على بنما الالتزام وفق الاتفاقات الموقعة عام 1977 التي قادت إلى نقل إدارة القناة إلى بنما في 1999، والتي تلزمها بضمان فتح القناة أمام جميع الدول.
وأوضح خوليو ياو، الذي شارك في فريق التفاوض على تلك الاتفاقات، أن “أي من بنودها لا يجيز للولايات المتحدة استعادة القناة”.
على الرغم من ذلك، تتضمن الاتفاقيات تعديلات تسمح للولايات المتحدة باستخدام القوة المسلحة “للدفاع عن القناة ضد أي تهديد”، وهو ما يُعتبر سببًا محتملًا لاسترجاع القوة العسكرية في بنما.
أخيرًا، أشار غيدان إلى أن تكرار تهديدات ترامب يمكن أن يزيد من احتمالية اتخاذ قرار جدي بهذا الشأن، رغم أن التدخل العسكري يبقى خيارًا ضئيل الاحتمال، لكن الحكومة الأمريكية قد تلجأ إلى استخدام الرسوم الجمركية للضغط على بنما.