في أول خطاب له أمام الكونغرس خلال ولايته الثانية، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عن «عودة أميركا» وبداية ما وصفه بـ”العصر الذهبي»، مما أثار ردود فعل متباينة بين الترحيب الحماسي من الجمهوريين وانتقادات حادة من الديمقراطيين، مما أدى إلى إخراج أحد النواب الديمقراطيين من قاعة المجلس التشريعي.
هذا المشهد سلط الضوء على الانقسامات العميقة في الكونغرس والبلاد، حيث يسيطر الجمهوريون على جميع مؤسسات الحكم. ويبدو أن ترمب على دراية بهذا الواقع، حيث قدم وعوداً إضافية ومطالب غير مسبوقة للمجلس التشريعي. يستعرض برنامج «تقرير واشنطن» خلفيات تصريحات الرئيس الأمريكي واستراتيجية الديمقراطيين لمواجهته، بالإضافة إلى الدلالات المرتبطة بتصريحاته حول السياسة الخارجية، التي تناولها بشكل مختصر في هذا الخطاب الأطول في التاريخ المعاصر، والذي استغرق قرابة ساعة وأربعين دقيقة.
مفهوم العصر الذهبي
عبرت جالينا بورتر، نائبة المتحدثة باسم وزارة الخارجية في عهد بايدن، عن رفضها لوصف «العصر الذهبي»، معتبرة أن ترمب يتجاهل الأقليات العرقية والمعارضين له، وأكدت أنه لا بد من شمول جميع الأمريكيين في مثل هذا العصر.
في المقابل، قدم هنري أولسن، كبير الباحثين في مركز الأخلاقيات والسياسة العامة، وجهة نظر مختلفة، مشيراً إلى أن تحالف ترمب يعد الأكثر تنوعاً بين تحالفات الرؤساء الجمهوريين. وأوضح أن ترمب يحقق تقدماً ملموساً بين الناخبين من أصول لاتينية وآسيوية وأمريكية أصلية… وحتى بين الأمريكيين من أصل إفريقي. ورأى أن ترمب يقدم وعوداً واضحة ويحققها بسرعة كبيرة وبأقل قدر من الدبلوماسية.
ونقل تشارلي كولين، المسؤول السابق في حملة ترمب الانتخابية، عن رأيه بأن أميركا «دخلت فعلاً العصر الذهبي»، مشيراً إلى أن الناخبين الذين صوتوا لترمب يبدون سعادة كبيرة بإنجازاته. كما أشار إلى براعة ترمب في توضيح أهدافه بطريقة مهنية، معتبراً أن العقبة الوحيدة أمام التقدم تكمن في الديمقراطيين.
انتقادات مشددة
أثارت هذه التصريحات ردود فعل حادة من بورتر، التي اتهمت ترمب بإذكاء الانقسامات في خطابه، مشددة على ضرورة التصرف بما يفيد جميع الأمريكيين وليس فقط مؤيديه. ودعت إلى تحقيق العدالة في السياسات والمنافع الناتجة عنها.
في ظل هذا الاستقطاب، أكد أولسن أن أمريكا تشهد انقسامات متزايدة منذ سنوات. واعتبر أن ترمب لا يسعى لتوحيد الأمريكيين بل لتنفيذ استراتيجيته ليظهر فعاليتها، بينما يتوقع أن ينضم إليه الناس عند إدراكهم لفائدة أفكاره. وأضاف: «لا يقوم بما هو اعتيادي، بل يحافظ على الانقسامات».
يواجه ترمب أيضاً اتهامات بالاعتماد على الشعبوية بدلاً من مبادئ الحزب الجمهوري، حيث يوضح أولسن أن خطاب ترمب يجمع بين الشعبوية والجمهورية، مشيرًا إلى أنه لا يُلبي جميع مطالب الشعبويين مثل زيادة الضرائب على الشركات أو التشدد في قضية الإجهاض، لكنه يحقق لهم شغفهم في قضايا أخرى مثل السعي نحو السلام في أوكرانيا وإغلاق الحدود.
دور إيلون ماسك
سلط خطاب ترمب الضوء على نفوذ إيلون ماسك داخل إدارته، خاصةً في ظل القرارات المثيرة للجدل التي اتخذها لتحدي البيروقراطية الحكومية، مما أسفر عن إغلاق بعض المرافق وتسريح آلاف الموظفين الفيدراليين. يواجه ترمب انتقادات بسبب اعتماد إدارته على شخص لم يُنتخب، لكن كولين يدافع عن ذلك ويشير إلى رغبة الأمريكيين في تغيير شامل وتحسين كفاءة الحكومة.
بينما تتهم بورتر الجمهوريين باستخدام الديمقراطيين كأداة لحماية مصالحهم، تصف هذه الاستراتيجية بعدم النضج. وتوجه انتقادات لماسك، مشيرة إلى أن قيادة الحكومة من قبل ملياردير غير أميركي قد لا تعكس احتياجات غالبية المواطنين.
على الجانب الآخر، يدحض أولسن الفكرة القائلة بأن ماسك غير أمريكي، مشيراً إلى حصوله على الجنسية منذ فترة طويلة، مستشهداً بحالات سابقة لأشخاص غير منتخبين تولوا مناصب رفيعة في الحكومة. ويشير إلى أنه إذا لم يكن ترمب راضياً عن أداء ماسك، فإنه قد يتخلى عنه كما فعل مع آخرين.
قضايا السياسة الخارجية
لم تحتل السياسة الخارجية جزءاً كبيراً من خطاب ترمب، لكنه جدد تأكيده على ضرورة إنهاء الحرب في أوكرانيا. وتتهم بورتر الرئيس الأمريكي بنصب «كمين» للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال لقائهما، معتبرة أن ما حدث كان مُتعمداً، مما سيؤثر سلباً على سمعة الولايات المتحدة في الدبلوماسية الدولية.
وتوافق أولسن على أن الاجتماع كان «مؤسفاً»، مشدداً على ضرورة أن تعمل إدارة ترمب على إصلاح العلاقة بين الولايات المتحدة وأوكرانيا بسرعة. وفي سياق موازٍ، يبرز كولين أن ترمب ينفذ طلبات الناخبين المتعلقة بالسياسة الخارجية، مشيراً إلى التكاليف الباهظة التي تكبدتها البلاد في النزاع.
واختتم كولين بالتأكيد على وضوح أهداف ترمب في السياسة الخارجية، مشيراً إلى سعيه لتحقيق السلام وإنهاء النزاع الطويل، مختتماً بأن الأطراف المعنية ستحتاج في النهاية إلى تقديم تنازلات للخروج من هذا المأزق.