الأحد 16 مارس 2025
spot_img

تحويل مكونات الطائرات القديمة إلى تكنولوجيا قتالية متطورة في بريطانيا

أطلقت القوات الجوية الملكية البريطانية مبادرة جريئة لإعادة تدوير مكونات طائرات “تورنادو” المعطلة إلى مواد متقدمة تُستخدم في تطوير الطائرات القتالية المستقبلية في المملكة المتحدة.

مبادرة “تورنادو 2 تيمبست”

تُعرف هذه المبادرة باسم “تورنادو 2 تيمبست”، حيث تقوم بإعادة استخدام الأجزاء القديمة للطائرات عن طريق تحويلها إلى مساحيق معدنية عالية الجودة تُستخدم في الطباعة ثلاثية الأبعاد، مما قد يحدث ثورة في كيفية بناء الطائرات الحربية المستقبلية.

هذه الاستراتيجية لا تقتصر على الاستدامة فحسب، بل تسعى إلى تحقيق ميزة استراتيجية، من خلال استعادة مواد ذات جودة عالية مثل الحديد والألمنيوم والتيتانيوم، يمكن للمهندسين إنتاج مكونات طائرات أخف وزناً وأكثر قوة ومتانة من تلك التي تُنتج باستخدام تقنيات التصنيع التقليدية.

استقلالية الدفاع

في ظل عالم تتزايد فيه هشاشة سلاسل الإمداد الدفاعية، تضمن هذه المبادرة بقاء المملكة المتحدة معتمدة على الذات، مما يسهم في خفض التكاليف على دافعي الضرائب.

تُعزز هذه المبادرة جهود فريق إعادة التدوير والتخلص من المعدات الدفاعية بالتعاون مع وزارة الدفاع وفريق نظام القتال الجوي المستقبلي، بجانب شركات مثل رولز-رويس وAdditive Manufacturing Solutions Limited (AMS)، مما يبرز الطموح البريطاني للهيمنة في تطور الجيل التالي من الحروب الجوية.

وشددت ماري إيغيل، وزيرة الدفاع للتوريدات والصناعة، على أن هذه المبادرة تمثل نموذجًا متميزًا للعبقرية البريطانية، مشيرة إلى أهمية الاستفادة من الشراكات الصناعية بشكل يحقق تحسين الموارد وتقليل الفاقد، وضمان تحقيق التفوق التكنولوجي لجنود المملكة المتحدة في ساحات القتال المستقبلية.

نتائج مبكرة واعدة

تشير النتائج المبكرة إلى نجاح المبادرة، حيث تم دمج مكونات رئيسية مثل مخروط الأنف المطبوعة بتقنية 3D بسلاسة في محرك اختبار رولز-رويس أورفيوس، مما يثبت جدوى هذه العملية التصنيعية الجريئة.

وشهدت الآراء داخل الصناعة تأييدًا واسعًا، حيث وصف أندرو إيدي من رولز-رويس المشروع بأنه “جرئ ومُخَلِّص للعبة”، في حين أشاد روبرت هايم من AMS بدوره في تحويل ممارسات الاقتصاد الدائري في الدفاع.

تدعم الجهود الاستدامة الدفاعية التي ترعاها القيادة الاستراتيجية في المملكة المتحدة، مما يجعل هذه المبادرة دلالة واضحة على جدية وزارة الدفاع في دمج تقنيات التصنيع الحديثة في ترسانتها. كما تعكس تطلعاتها للتفوق في القتال الجوي، حيث من المقرر أن تستفيد طائرة “تيمبست” من هذه الابتكارات لتعريف مفهوم الهيمنة الجوية.

تطورات برنامج “تيمبست”

تم تصميم “تيمبست” لتكون منصة ثورية، تستطيع تنفيذ عمليات مأهولة وغير مأهولة. سيتضمن النظام تنسيق طائرات مسيرة، ونظم قتال معززة بالذكاء الاصطناعي، وميزا منخفضة لمستوى الرادار، وأساليب تسليح متطورة تشمل الصواريخ فرط الصوتية.

يتم تنفيذ البرنامج ضمن التعاون الثلاثي “برنامج القتال الجوي العالمي” [GCAP] بين المملكة المتحدة وإيطاليا واليابان، مع توجه للتميز على أي طائرة أخرى، بما في ذلك طائرة “جي-20″ الصينية و”NGAD” الأمريكية.

ومع ذلك، ليست المملكة المتحدة وحدها في سباق التسليح. حيث يسعى “نظام القتال الجوي المستقبلي” [FCAS]، بقيادة فرنسا وألمانيا وإسبانيا، لتطوير طائرته القتالية الجديدة بحلول عام 2025.

التنافس بين البرامج الرئيسية

في إطار تنافس دؤوب، تسعى ثلاثة برامج رئيسية لإعادة تعريف مستقبل القتال الجوي: “برنامج القتال الجوي العالمي” [GCAP]، و”نظام القتال الجوي المستقبلي” [FCAS]، و”الهيمنة الجوية من الجيل التالي” [NGAD].

تمثل كل من هذه المبادرات قفزة نوعية في التكنولوجيا، تسعى لتأمين التفوق الجوي لدولها في العقود القادمة.

يسعى “GCAP”، التعاون الثلاثي بين المملكة المتحدة واليابان وإيطاليا، لإطلاق طائرة مقاتلة من الجيل السادس بحلول عام 2035، مع دمج أفضل تقنيات الدول الثلاث.

التحديات والمصاعب

يعمل الشركاء الصناعيون مثل “BAE Systems” و”مؤسسة ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة” و”ليوناردو” على تطوير تقنيات تجعل من هذه المقاتلة الأولى من نوعها التي تدخل الخدمة عالميًا. تركيز برنامج GCAP لا يقتصر على الطائرة فقط، بل يشمل نظام متكامل يتضمن طائرات مسيرة مصممة لتكون “رفاق موالين” للطائرات المأهولة.

على الرغم من الإمكانيات الكبيرة، يشير انضمام اليابان إلى البرنامج إلى تعقيدات إضافية بسبب متطلبات نقل التكنولوجيا والرقابة على الصادرات التي قد تؤخر سير العمل.

في الجانب الأوروبي، يظهر “FCAS” الذي تقوده فرنسا وألمانيا وإسبانيا كقضية معقدة. رغم سعيه لإطلاق طائرة جديدة بحلول 2040، إلا أن البرنامج تعرض لعديد من التحديات نتيجة للخلافات السياسية حول مسؤوليات التطوير والتمويل.

تُدفع شركات “Airbus” و”Dassault” وغيرها من اللاعبين الرئيسيين في الصناعة لتطوير نظام قتال متكامل يشمل الطائرات والطائرات المسيرة وإمكانيات الشبكات المتقدمة. تهدف هذه المقاربة الشاملة إلى مواجهة التقدم التكنولوجي في القدرات العسكرية لقوى عالمية أخرى.

آفاق المستقبل

تُشير التحديات البطيئة والخلافات الداخلية إلى إمكانية أن يختار أحد الشركاء اعتماد حلول جاهزة مثل “NGAD” أو حتى طائرات “GCAP” إذا استمرت مشاريعهم الداخلية في التعثر.

بينما عبر المحيط الأطلسي، يُعتبر برنامج “NGAD” التابع للقوات الجوية الأمريكية خاضعًا للغموض، لكنه يتصدر الابتكارات في الطيران العسكري. مع تقارير عن وجود نماذج أولية تؤدي رحلات جوية بالفعل، يهدف البرنامج إلى استبدال طائرات “F-22” القديمة بنظام يشمل طائرات مأهولة وعدد من الطائرات غير المأهولة والحساسات والأسلحة التي تعمل بشكل متكامل.

مع ذلك، يبقى كلفة البرنامج مصدر قلق رئيسي، إذ أن للولايات المتحدة تاريخ طويل مع مشاريع الدفاع المكلفة، ومع القيود الميزانية وحاجة المسؤولية المالية، فإن السؤال يتعلق بعدد الطائرات التي يمكن إنتاجها بالفعل.

كل برنامج يعكس أولويات استراتيجية دوله. يسعى “GCAP” إلى السرعة والتعاون الدولي، بينما يركز “FCAS” على التكامل الشامل للنظام، و”NGAD” يعزز الهيمنة التكنولوجية.

إن السباق لنشر هذه المقاتلات من الجيل القادم ليس فقط مسألة من سيكون الأول، بل يتعلق أيضًا بمن سيتمكن من ذلك بشكل فعال واقتصادي مع أقل قدر من الاحتكاك الجيوسياسي.

مع تقدم هذه البرامج، قد تتغير التوازنات العالمية للقوة الجوية، مما يؤثر ليس فقط على الاستراتيجيات العسكرية ولكن أيضًا على العلاقات الدولية والاقتصاد الدفاعي.

اقرأ أيضا

اخترنا لك