شدد خبراء اقتصاديون على أهمية الطفرة غير المسبوقة التي تشهدها صناعة تحلية مياه البحر في السعودية، حيث حققت المملكة أرقاماً قياسية في هذه الصناعة جعلتها أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم.
واعتبر الخبراء أن صناعة تحلية المياه في السعودية بمثابة نفط أزرق جديد، متوقعين أن تصبح المملكة مركزاً رئيسياً لتقنيات تحلية المياه في العالم والشرق والأوسط.
ويبلغ إنتاج المملكة العربية السعودية من المياه المحلاة حالياً أكثر من 9 ملايين متر مكعب يومياً، ومن المتوقع أن يصل حجم الإنتاج في العام 2025 إلى أكثر من 14 مليون متر مكعب يومياً.
صناعة حيوية
وأوضح خالد الجاسر، الخبير الاقتصادي السعودي، ورئيس مجموعة أماكن الدولية -في تصريحات خاصة- أن صناعة تحلية مياه البحر أصبحت من أهم الصناعات الحيوية عالمياً، وقد اكتسبت هذه الصناعة في السعودية أهمية خاصة لندرة الموارد المائية العذبة في المملكة.
وقال الجاسر: “لقد كانت صناعة تحلية مياه البحر ضرورة ملحة لإثبات كفاءة رؤية المملكة 2030 في إدارة دفة الموارد المهملة، واستغلال سواحلها، لا سيما الساحلين الغربي والشرقي، في إنشاء العديد من محطات التحلية، وبالتالي أصبحت تحلية المياه المالحة خياراً استراتيجياً وحلاً بديلاً لمعالجة شح المياه الذي تعاني منه المملكة نظراً لطبيعتها الصحراوية”.
ومنذ أكثر من 100 عام، وبالتحديد في العام 1907، عرفت المملكة العربية السعودية صناعة تحلية مياه البحر عندما اُنتشلت آلة من إحدى السفن المتحطمة على شواطئ جدة، وسُميت “الكنداسة” بعدما اُستخدمت في تكثيف وتقطير مياه البحر لإنتاج المياه العذبة، وكانت “الكنداسة” أول وحدة لتحلية المياه المالحة على الأراضي السعودية، وكانت ذات إنتاج بسيط لا يتجاوز الـ 300 طن أو متر مكعب يومياً.
تحلية مياه البحر في السعودية.. نقطة التحول
ومع مرور الوقت ازداد الاعتماد في المملكة العربية السعودية على صناعة التحلية، حتى أصبحت المصدر الأساسي للمياه العذبة بدلاً من المياه الجوفية أو السطحية، وفي العام 1926 أمر الملك السعودي الراحل، عبدالعزيز آل سعود، باستيراد آلتين كبيرتين لتقطير مياه البحر في مدينة جدة، وفي العام 1965 تأسست إدارة عامة لتحلية المياه المالحة، وفي السنوات التالية أُنشئت بعض محطات التحلية، حيث أُنشئت محطتا الوجه وضباء في العام 1969، وأُنشئت محطة جدة في العام 1970، وأُنشئت محطة الخبر في العام 1973.
وشهدت صناعة التحلية بالمملكة نقطة التحول الرئيسية في العام 1974 مع إنشاء المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة بمختلف مناطق المملكة، وتُدير المؤسسة الآن 33 محطة تحلية، منها 8 محطات على ساحل الخليج العربي، و25 محطة تحلية على ساحل البحر الأحمر، وتنتج 5.6 مليون متر مكعب من المياه العذبة يومياً، ما يمثل حوالي 70% من إنتاج المياه المحلاة في السعودية، وينتج القطاع الخاص النسبة الباقية.
وتتمتع المؤسسة العامة السعودية لتحلية المياه المالحة بسمعة عالمية، وقد حصلت في العام 2018 على جائـزة أكبـر منظومـة تحليـة ميـاه فـي العالـم مـن موسوعة جينيــس العالميــة.
أكبر منتج
وأكد الخبير الاقتصادي السعودي أن هذه الأرقام جعلت المملكة العربية السعودية تتربع على عرش أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم، مشدداً أنه ليس من الغريب أن تتصدر السعودية دول العالم في ذلك المجال كغيره من المجالات التي تفوقت في مؤشراتها، بإنتاج مليار متر مكعب سنوياً، لتُصبح السعودية بنفطها الأزرق الجديد أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم.
ودشنت السعودية في يناير الماضي أول وأكبر محطة عائمة لتحلية المياه قرب ميناء الشقيق على الساحل الغربي، بقدرة إنتاجية تبلغ 50 ألف متر مكعب يومياً، وجاء المشروع ضمن حزمة مشاريع مائية تستهدف ضمان أمن الإمداد وتعزيز الأمن المائي في كافة مناطق السعودية.
ابتكارات وتقنيات
وتوقع الدكتور فرج عبدالله، الخبير في شؤون الاقتصاديات العربية، وأستاذ الاقتصاد بمدينة الثقافة والعلوم بالقاهرة، أن تصبح المملكة العربية السعودية مركزاً رئيسياً لتقنيات تحلية المياه في العالم والشرق الأوسط، مؤكداً أن السعودية بما تملكه من خبرات فنية وكوادر وكفاءات مهنية في مجال صناعة التحلية مؤهلة لتحقيق طموحاتها في هذا المجال الحيوي.
وأكد الدكتور فرج -في تصريح خاص- على أهمية الاتجاه السعودي لدعم الابتكارات والتقنيات الحديثة في مجال تحلية المياة، فضلاً عن اهتمام المملكة برفع كفاءة صناعة التحلية حتى تكون صناعة صديقة للبيئة، الأمر الذي يضمن استمرارية وفرة المياه المحلاة بمستويات عالية، ويضمن استمرار أمن الإمداد المائي في السعودية.
وأشار إلى أهمية البُعد التنموي والاقتصادي لمشروعات إنتاج المياه المحلاة في السعودية، الأمر الذي يظهر بوضوح في كميــات الطاقــة الكهربائيــة الكبيرة المولــدة مــن محطــات تحلية المياه المالحة.