تسود حالة من القلق بين ملايين الأشخاص في شرق الكونغو مع تزايد هجمات المتمردين، مما يضعهم أمام خيارين صعبين: إما العودة إلى داخل الكونغو في ظل حماية ضعيفة من جيش مضطرب، أو عبور الحدود إلى رواندا التي تُتهم بدعم هؤلاء المتمردين.
تقدم المتمردين
التقدم السريع لمقاتلي حركة “إم 23” الذي أدى إلى سيطرتهم على مدينة جوما، واحدة من أكبر المدن في المنطقة، يثير المخاوف حول قدرة القوات الكونغولية وحلفائها على حماية المدنيين. يأتي هذا التصعيد في سياق صراع مستمر منذ عقود، على بعد قرابة ألف ميل من العاصمة الكونغولية.
شهادات الفارين
قالت إيماني زوادي، التي نجت من قريتها في ضواحي جوما، إن الوضع معقد. وأضافت: “من جهة، هناك قوة أجنبية لا يمكنك الوثوق بها تماماً، ومن الجهة الأخرى هناك جيش ضعيف وفاسد؛ لذا ليس لديك أحد تثق به”.
تمثل كلمات زوادي مشاعر العديد من الكونغوليين الذين شردهم العنف على يد متمردي “إم 23”. ومنذ بدء الاقتتال في جوما، لجأ أكثر من 1200 كونغولي، من بينهم جنود مستسلمون، إلى رواندا بعد إغلاق المطار وامتلاء المستشفيات بالجرحى.
الأنظار إلى جوما
تتزايد المخاوف من احتفاظ حركة “إم 23” بمدينة جوما كمنطقة عازلة، إذ يُخشى أن تؤدي الأحداث إلى إعادة تشكيل حدود جديدة مع رواندا، الغنية بالموارد المعدنية التي تقدر ثرواتها بتريليونات الدولارات. وقد أعلن قادة المتمردين عن خطط لإنشاء إدارة مشتركة في المدينة.
على الرغم من التفوق العددي للجيش الكونغولي، المدعوم بقوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، إلا أن المتمردين حققوا انتصارات ملحوظة. يأتي ذلك تزامناً مع وجود نحو 200 متعاقد عسكري روماني، تُنفي الحكومة الرواندية الفترة وجودهم.
معايير القوة
تقدم المتمردين يعد انتهاكاً لاتفاق وقف إطلاق النار المبرم في عام 2024، ويعيد إلى الأذهان سيطرتهم السابقة على جوما، التي كانت نتيجة للضغوط الدولية على رواندا لتقليل تدخلاتها.
في ظل هذه الظروف، تنفي رواندا التهم الموجهة لها بدعم حركة “إم 23″، حيث تؤكد السلطات الرواندية سعيها لحماية عرقية التوتسي من التهديدات المحتملة. ويقدر خبراء الأمم المتحدة بوجود أربعة آلاف جندي رواندي في الكونغو.
تصريحات كاغامي
قال رئيس رواندا، بول كاغامي، إن مخاوفه بشأن التهديدات المحتملة من الجماعات المسلحة في الكونغو لا تزال قائمة، محذراً من الأفراد الذين شاركوا في الإبادة الجماعية عام 1994، والذين لا يزالون ناشطين في المنطقة.
أضاف كاغامي أن حماية التوتسي الكونغوليين يجب أن تكون موضوعاً أساسياً في أي مفاوضات مع حركة “إم 23″، مشيراً إلى التهديدات الأمنية الأخرى التي تشكلها الجماعات المتمردة.
الحوار والمستقبل
كان الرئيس الكونغولي، فيليكس تشيسكيدي، قد أعرب سابقاً عن رفضه إجراء مفاوضات مباشرة مع حركة “إم 23”. إلا أن استمرار السيطرة المتمردة على جوما قد يجبره على إعادة النظر في استراتيجيته.
في هذا السياق، تشير بعض الآراء إلى أن النفوذ الرواندي قد يكون حلاً مناسباً للمدنيين في المنطقة. لكن البعض من الفارين إلى رواندا لديهم رؤية مغايرة، حيث عارضت روز كليمنسي، واحدة من النازحين، محاولات رواندا الاستيلاء على أراضي الكونغو.
المخاوف الإنسانية
تحت وطأة تصاعد النزاع، تشهد المنطقة زيادة في موجات النزوح، وسط دعوات دولية لوقف إطلاق النار. حيث يواجه الآلاف في جوما وضعاً إنسانياً صعباً مع استمرار المعاناة.
وفقاً للأمم المتحدة، أسفر القتال مع حركة “إم 23” عن نزوح حوالي 400 ألف شخص خلال الأسابيع الأخيرة. وقد بات مصير مدينة جوما، التي كانت تعد مركزاً حيوياً لتقديم المساعدات، في مهب الريح، حيث يُعاني الكثيرون من انعدام الخيارات الآمنة.
وكانت إحدى الفارين، أنزيمانا سيمينا، قد وصفت موقف النازحين بكونهم “مجرد رهائن بأيدي المتمردين”، مما يعكس حالة اليأس والإحباط التي تسود بين من فروا من القتال.