تشهد العلاقات اللبنانية – الإيرانية تحولات جذرية تزامنت مع التغيرات الإقليمية، حيث بدأت مسارات جديدة للتعاون بين البلدين بعد سنوات من الهيمنة الإيرانية عبر «حزب الله». هذه التغييرات تعكس جهود الحكومة اللبنانية لاستعادة سيادتها وعدم الاعتماد على النفوذ الخارجي.
رفض التدخلات الإيرانية
برزت تلك التحولات بوضوح خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة، حيث عبّر رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، في أكتوبر، عن رفضه لموقف رئيس مجلس الشورى الإيراني، محمد باقر قاليباف، الذي أعرب عن استعداد طهران للتفاوض مع فرنسا بشأن تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم «1701». واعتبر ميقاتي هذا الموقف تدخلاً صارخاً في الشأن اللبناني.
مع تراجع النفوذ الإيراني، باتت المواقف السياسية أكثر وضوحاً. فقد اتخذ رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون، ورئيس الحكومة نواف سلام، خطوات ملموسة، منها منع هبوط طائرة إيرانية في «مطار رفيق الحريري الدولي» رغم الضغوط المقدمة من «حزب الله».
رسائل سيادية واضحة
في بداية عهدهم الجديد، قدمت الحكومة رسائل سيادية واضحة في خطاب القسم، حيث أكد عون وسلام على أهمية السيادة اللبنانية أمام الوفد الإيراني الذي زار بيروت للمشاركة في تشييع حسن نصر الله. وأكد عون أن لبنان مستعد لتحمل مسؤولياته ويرفض تدخلات الآخرين.
كما عبّر عون في القمة العربية الطارئة عن عدم قبول لبنان بأن يكون ساحة لتصفية الحسابات، مشدداً على أهمية احترام سيادة الدولة اللبنانية ورفض الوصايات الإقليمية.
تراجع النفوذ الإيراني
في سياق متصل، وصف مستشار المرشد الإيراني العلاقات الحالية بأنها «جيدة»، بينما يبرز نواب لبنانيون مثل فارس سعيد تراجعاً ملحوظاً في النفوذ الإيراني، مما يعكس جرأة متزايدة من المسؤولين اللبنانيين لمواجهة طهران، مطالباً بإلغاء «المجلس الوطني لرفع الاحتلال الإيراني» الذي أسس في 2022.
وفي حديثه مع «الشرق الأوسط»، أكد سعيد أن ضرورة حل المجلس أصبحت الآن ملحة، إذ أن العلاقة بين لبنان وإيران ينبغي أن تكون قائمة على أسس ذات سيادة، تضمن عدم الاستغلال السياسي.
علاقات رسمية متزايدة
أكد سعيد أن اللبنانيين يرغبون في إقامة علاقات مع إيران على مستوى الدول، وليس كأداة تستخدمها طهران لمصالحها، مشيراً إلى أن المسؤولين اللبنانيين يشعرون بتغيرات إيجابية في معادلات القوة الإقليمية.
بدوره، المحلل السياسي الدكتور قاسم قصير، المقرب من «حزب الله»، يشير إلى أن العلاقات اللبنانية – الإيرانية أصبحت أكثر رسمية، حيث توجد مبادرات دبلوماسية واقتصادية، مع وجود عدد كبير من الطلاب اللبنانيين ورجال الدين في إيران.
وعند سؤاله عما إذا كانت العلاقات قد شهدت تغيرات، اكتفى بإيجاز قائلاً: «نعم، الأمور تتجه نحو تعزيز العلاقات الرسمية مع الحفاظ على الروابط الشعبية».