مرت 43 عامًا على مجزرة مدينة حماة وسط سوريا، دون إجراء تحقيقات رسمية، أو محاسبة للمتورطين، أو الكشف عن مصير الآلاف من المختفين قسريًا. وقد أسفرت المجزرة عن مقتل ما بين 30,000 إلى 40,000 مدني، بحسب ما أفادت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، مما يعتبره البعض جريمة جماعية خطط لها نظام الأسد بدافع الإصرار.
ذكرى مؤلمة
يستذكر السوريون هذا اليوم، للمرة الأولى منذ مغادرة بشار الأسد إلى موسكو في 8 ديسمبر 2024. بعد الإطاحة بنظامه الذي استمر لمدة 25 عامًا والإرث الديكتاتوري الذي أرساه والده على مدى ثلاثة عقود، بات بإمكان السوريين التعبير بصوت عالٍ عن مواضيع كانت تُعتبر محرمة، ومن بينها مجزرة حماة.
في 2 فبراير 1982، أطلق حافظ الأسد حملة وحشية ضد تمرد “الإخوان المسلمين” في حماة، وذلك بعد محاولة اغتياله في عام 1980. استمرت الحملة لمدة 27 يومًا، عانت خلالها المدينة من قصف مكثف.
قصف بلا هوادة
خلال هجومها، قامت أجهزة الأمن، تحت قيادة رفعت الأسد، بشن هجوم شامل على المدينة دون رحمة، مما أسفر عن مقتل العديد من المدنيين. يروي الشاهد حيّان، الذي لم يكن له أي ارتباط بالإخوان، أن اسم عائلته كان كافيًا لجذب الانتباه إليه، مما جعله وآخرين عرضة للعنف المستمر.
كان حيّان طالبًا صغيرًا في ذلك الوقت، ويشير إلى القلق الكبير الذي كان يساوره عائلته، خاصة مع ارتباطهم بقريب لهم هو مروان حديد، الذي كان معروفًا في تاريخ الجماعات الإسلامية المسلحة. بعد 13 يومًا من المعارك، تم اعتقال نحو 200 رجل في الحي الذي يسكن فيه مروان.
نجاة غير متوقعة
عندما تم اقتياد المعتقلين إلى المدرسة الصناعية، أدرك حيّان أنهم في مكان محكوم بالموت. وفور وصولهم، تم استدعاء عدد من الرجال لتصفيتهم، لكن حيّان نجا من تنفيذ الحكم بفضل حظّه. ورغم إطلاق النار، كانت رصاصات الجنود قد فاتته، ليعيش ليروي قصته بعد أكثر من أربعة عقود.
مسيرة حيّان واستمراره في الحياة بعد تلك اللحظات القاتلة تظل ذاكرة مؤلمة، حيث يقول إنه لم يستوعب نجاته إلا بعد فترة طويلة من الأحداث المروعة.
دعوات للكشف عن الحقيقة
في سياق متصل، أصدرت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” دعوة ملحة لكشف الحقائق المتعلقة بمجزرة حماة. وأكدت على ضرورة معالجة هذه القضية لضمان تحقيق العدالة للضحايا، مشيرة إلى مجموعة من الإجراءات القانونية المطلوبة لتحقيق ذلك.
وفي تصريح لـ”الشرق الأوسط”، أشار فضل عبد الغني، مدير الشبكة، إلى أن مجزرة حماة تمثّل فشلاً ذريعًا لمبدأ عدم الإفلات من العقاب، وتبرز مدى ضعف المنظومة الدولية في تحقيق العدالة. على الرغم من حالة العنف الممنهج ضد الشعب السوري، لم يُتخذ أي إجراء قانوني ضد المسؤولين عن تلك الجرائم.
مسؤولية الحكومة الجديدة
وشدّد عبد الغني على أن فتح ملف مجزرة حماة ينبغي أن يكون أولوية للحكومة السورية الجديدة بعد سقوط الأسد، حيث يُعتبر ذلك خطوة محورية نحو العدالة الانتقالية. يجب أن يترافق ذلك مع المحاسبة واستعادة حقوق الضحايا والاعتراف الرسمي بما جرى.
وواصل عبد الغني تأكيده على أن تحقيق العدالة لا يُعد مجرد خيار، بل هو شرط أساسي لضمان الاستقرار في سوريا ومنع تكرار مثل تلك الجرائم في المستقبل. تتطلب العدالة الانتقالية آليات قانونية واضحة تشمل المساءلة وتعويض الضحايا وكشف الحقيقة.
أهمية المصالحة الوطنية
وخلص عبد الغني إلى أن الإفلات من العقاب يعزّز الاستبداد ويعيد إنتاج الأنظمة القمعية. لذلك، فإن تنفيذ العدالة لمجزرة حماة يُعتبر أساسًا لأي عملية مصالحة وطنية مستقبلية لضمان حقوق المواطنين.