نزوح السودانيين يتفاقم وسط مخاطر الهجرة غير الشرعية
تزايد أعداد السودانيين الباحثين عن ملاذ آمن في أوروبا، يواجهون مخاطر جمة في رحلات هجرة غير شرعية عبر الصحاري الليبية، والبحر الأبيض المتوسط، وذلك بعد أن أجبرتهم الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع على ترك ديارهم. وكالة الصحافة الفرنسية ترصد في شهادات حية معاناة هؤلاء المهاجرين.
رحلة إلى المجهول
إبراهيم ياسين، شاب سوداني يبلغ من العمر 20 عامًا، يروي تفاصيل رحلته المحفوفة بالمخاطر، حيث غادر كسلا في ديسمبر 2023، متجهًا نحو ليبيا، ومنها إلى أوروبا، باحثًا عن حياة أفضل.
“الطريق عبر الصحراء كان جحيمًا حقيقيًا،” يصف إبراهيم معاناته من العطش الشديد ونقص الطعام طوال أيام الرحلة.
ابتزاز المهربين
بعد وصوله إلى ليبيا، طالبه المهربون بدفع مبلغ 3000 دولار لإكمال الرحلة، ولكنه لم يتمكن من توفير المبلغ المطلوب.
اتخذ إبراهيم قرارًا بالفرار بمفرده إلى طرابلس، على أمل إيجاد فرصة عمل، لكنه وقع فريسة لمجموعة أخرى من المهربين طلبوا 3500 دولار لعبور البحر المتوسط.
اعتقال وسجن
اضطرت عائلة إبراهيم لبيع منزلها في السودان لتوفير المبلغ المطلوب. “ركبنا البحر، وبعد ثماني ساعات، ألقت قوات خفر السواحل الليبية القبض علينا وزجت بنا في السجن.”
بعد دفع فدية قدرها 1000 دولار، تم إطلاق سراح إبراهيم، إلا أن محاولته الثانية للفرار باءت بالفشل، ليجد نفسه عالقًا في طرابلس بلا وثائق أو مال.
ضياع وأمل مفقود
“أنا الآن ضائع بين عصابات التهريب، بلا أمان، بلا أوراق، ولا أستطيع العودة إلى السودان، ولا الوصول إلى أوروبا،” يصف إبراهيم وضعه المأساوي، مؤكدًا أن “مصيره مجهول”.
واقع ليبي مرير
نعيمة أزهري، امرأة سودانية تبلغ من العمر 35 عامًا، كانت تعيش مع زوجها وابنتهما في سوبا جنوب غربي الخرطوم، قبل أن تندلع الحرب في السودان في أبريل 2023.
“اعتقدت أن الحرب ستنتهي في غضون أسبوع أو أسبوعين، ولكن بعد سيطرة قوات الدعم السريع على الخرطوم، لم يعد لدينا أمل في البقاء هناك،” توضح نعيمة سبب قرارها بالهجرة إلى ليبيا.
رحلة محفوفة بالمخاطر
في أغسطس 2023، توجهت نعيمة مع عائلتها إلى ليبيا، بحثًا عن حياة أكثر استقرارًا، ولكن الرحلة كانت شاقة ومحفوفة بالمخاطر. “كان الطريق صعبًا، وفي كل نقطة تفتيش، كنا ندفع إتاوات أو نتعرض للتهديد.”
بعد رحلة استمرت عشرة أيام، وصلت العائلة إلى طرابلس، لتصطدم بواقع أكثر قسوة مما كانت تتخيل. “وجدنا واقعًا أكثر قسوة من الذي هربنا منه،” تصف نعيمة معاناتها من عدم الاستقرار وغياب فرص العمل.
حياة أصعب من الحرب
“شعرنا أن الحياة في ليبيا أصعب من الحرب نفسها،” تقول نعيمة، مشيرة إلى أنها فكرت في العودة إلى السودان، لكن لم تجد طريقًا آمنًا لذلك.
بعد مرور عام على إقامتهم في ليبيا، قررت العائلة التوجه إلى مصر في أكتوبر 2024، حيث وصلوا “بأمان” ووجدوا “حياة أفضل”.
الحرب تقلب الحياة
حسن آدم، موظف حكومي يبلغ من العمر 40 عامًا، كان يعيش في مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور مع زوجته وأطفاله الثلاثة، قبل أن تندلع الحرب وتقلب حياتهم رأسًا على عقب.
شهدت الجنينة في عام 2023 مذابح ارتكبتها قوات الدعم السريع، استهدفت أفراد قبيلة المساليت التي ينتمي إليها حسن، وراح ضحيتها الآلاف، في أحداث وصفتها الأمم المتحدة بـ”الإبادة الجماعية”.
اعتقال وتعذيب
“كنت من المقربين من الوالي خميس أبكر الذي اغتيل على يد قوات الدعم السريع،” يروي حسن. “استنكرنا الجريمة، فتم اعتقالنا وضربنا وتعذيبنا، وكانوا يهددوننا بالتخلص منا.”
هرب حسن عبر الصحراء إلى ليبيا، حيث احتجز في مكان مكتظ بالمهجرين، وتعرض للإهانات والضرب والاستغلال.
بحثًا عن اللجوء
بعد شهرين من المعاناة، استقل حسن قاربًا صغيرًا نقله إلى إيطاليا في رحلة بحرية استمرت يومين. ومن هناك، انتقل إلى فرنسا، حيث طلب اللجوء السياسي.
يعمل حسن الآن في مصنع، ويسعى لمعرفة مكان وجود أولاده. “قال لي أحد معارفي إنهم في مخيم للاجئين في تشاد، وبدأت إجراءات استقدامهم إلى هنا، ولكن للأسف لا أملك الوثائق المطلوبة.”
هدف وحيد
“لا يمكنني العودة إلى السودان، يجب أن أستقدم أولادي إلى هنا، هذا هو هدفي الوحيد الآن،” يختم حسن حديثه.
لا خيار آخر
عبد العزيز بشير، رجل سوداني يبلغ من العمر 42 عامًا، كان يعيش حياة مستقرة في حي الثورة بمدينة أم درمان. وعند اندلاع الحرب، “ظننت أنها أيام وتعود الحياة إلى طبيعتها، ولكن استمرار الحرب قلب كل شيء”.
اضطر عبد العزيز إلى الفرار مع عائلته إلى مدينة القضارف شرقي السودان، حيث وجد الأمان، ولكنه يعاني من البطالة وتدهور الوضع الاقتصادي.
الهجرة أمل
مع تعذر تأمين معيشة عائلته وسط أزمة جوع متصاعدة، يسعى عبد العزيز إلى الهجرة إلى أوروبا. “أعرف أن الطريق خطير، وقد نموت في الصحراء أو في البحر، ولكن بصراحة، لا خيار آخر أمامنا.”
“الهجرة تبقى الأمل الوحيد في ظل هذا الوضع،” يؤكد عبد العزيز، مضيفًا: “إن نجحت، فقد أتمكن من تغيير وضع أسرتي، وإن فشلت، فأكون حاولت على الأقل”.
كارثة إنسانية
أسفرت الحرب في السودان عن مقتل عشرات الآلاف ونزوح أكثر من 13 مليون شخص، متسببة في “إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية” في العالم، وفقًا للأمم المتحدة.