الأربعاء 30 أبريل 2025
spot_img

الجميل: خدام كان أداة الأسد للضغط على خصومه

تجسد شخصية الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد مهارات تفاوضية بارعة، حيث اشتهر بمناوراته السياسية وتأنّيه في الحديث. كان يسعى إلى إغراق زواره بالتاريخ قبل التطرق إلى قضاياهم الجوهرية، متمتعًا بقدرة فريدة على كبح مشاعره وتوجيه الحوار بشكل يتجنب النزاعات المباشرة. لكنه كان يضع تحت نظره الشخصيات التي خططت لعرقلة مشاريعه، بما في ذلك ياسر عرفات وكمال جنبلاط وبشير الجميل وأمين الجميل وسمير جعجع.

أداة الأسد السياسية

في حديثه مع الرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميل، أشير إلى أن حافظ الأسد كان لديه أداة سياسية قوية تدعى عبد الحليم خدام الذي شغل منصب وزير الخارجية ثم نائب الرئيس. وقد اعتبر العديد من السياسيين اللبنانيين أن سلوك خدام القاسي كان نابعا من توجيهات الأسد. بينما كان الأسد يميل إلى استخدام التلميحات بدلًا من التهديدات المباشرة، بل روي أنه اقترح في إحدى المرات تفجير طائرة الرئيس السادات لمنعه من التوجه إلى القدس.

عمد خدام، في كثير من الأحيان، إلى إذلال حلفاء سوريا وخصومها، مما يضطرهم للاستسلام أمام الأسد. عندما سُئل خدام في باريس عن أسلوبه، أكد أن هدفه لم يكن الإهانة، بل تجنب توتر مظلل بالضغوط الأمنية. ونوه خدام بأنه فاجئ الأسد بفشل “الاتفاق الثلاثي”، حيث لم يكن يتوقع أن يجرؤ أي شخص في لبنان على تحدي سوريا بشكل سافر.

الأسد ومرونة سركيس

بحسب تصريحات وزير الخارجية اللبناني فؤاد بطرس، كان لدى الأسد العديد من الأوراق للضغط، بينما لم يكن لدى الرئيس اللبناني سركيس أي أوراق تتيح له مواجهة الأسد. وعندما أبدى سركيس بعض المرونة، كان يتصلب تجاه الأمور التي تمس الثوابت اللبنانية. في هذه الأجواء، كان بطرس يحاول جاهدًا منع خدام من توجيه الحوار نحو اتهامات غير ملائمة.

ذكر أمين الجميل تجربته مع خدام، مشيرًا إلى عدم وجود ود بينهما بسبب وسائل خدام الخبيثة لعرقلة عمله. فعلى الرغم من تعامل الأسد معه باحترام، إلا أنه كان بحاجة إلى شخصية مثل خدام لتحريك الأمور. وصف الجميل خدام بأنه كان يفرض نفسه على السياسيين اللبنانيين، رافضًا السماح له بالتجاوزات.

حقيقة الأقليات لبنان

كان حافظ الأسد مدركًا لوجود تركيبة لبنانية هشة تمثل لقاءات أقليات تعيش في حاجة إلى من يرعى شؤونها. كان يتعامل مع الانتصارات المحدودة ويمنع الهزائم الكبرى، مما يضمن بقاء النفوذ السوري. بينما كانت سياسة شقيقه رفعت، الذي طرح فكرة تقسيم لبنان وسوريا، تندرج تحت سياق مختلف.

ردًا على سؤال حول الحوار الذي قد يكون بين علوي وماروني، نفى الجميل وجود مثل هذه الأبعاد، واعتبر أن ذلك كان منطلقات رفعت. بينما لم تعكس اللغة المستخدمة في الاجتماعات مع الأسد هذا التوجه. تمحورت سياسة الأسد حول تجميع الأوراق، مستخدمًا الأقليات في سوريا تحت مظلة نظامه.

الضغط الأميركي وسوريا

ناقش الجميل موقف المبعوث الأميركي ريتشارد مورفي الذي كان يتجاذب الآراء حول انتخاب مخايل الضاهر، مشيرًا إلى أن الأميركيين حاولوا إيجاد قاسم مشترك مع سوريا. رغم علمهم بدور سوريا السلبي في لبنان، كانوا يتجنبون الاصطدام معها. بينما كانت التوجهات الأميركية لمصلحة سوريا تتضح في مواقف عدة بما فيها اتفاق مايو مع إسرائيل.

في سياق الحديث عن شخصيات مؤثرة، أكد الجميل أن علاقته بالوزير اللبناني الراحل جان عبيد كانت مثمرة، وأن هناك تنسيقا إيجابيا بينهما، فيما كانت العلاقة مع غسان تويني متوترة بسبب مواقف “النهار” التي لم تكن تتماشى مع الحكومة السورية. وقد اعتبرت القوى السورية أن تويني لم يكن مقبولاً في بعض الأوساط.

اغتيال بيار الجميل

عن أغتيال نجله الوزير والنائب بيار الجميل، ذكر الجميل أن هناك قناعة بأن العامل السوري كان وراء الحادث، خاصة وأن المخابرات السورية كانت متحكمة في مفاصل الأمور في تلك الفترة. أكد أن الاغتيالات كانت تستدعي تحقيقات تتطلب تعاون الجهات الأمنية.

لا توجد أي وثائق تحققت في ملف الاغتيال، مما يمثل عائقًا أمام القضاء. وأشار الجميل إلى تخوفه من أن تخاذل القوى الأمنية قديمة أثّر على سرعة القبض على الجناة. كما أشار إلى مناقشاته مع الرئيس السوري أحمد الشرع حول هذا الملف.

الآفاق الجديدة في سوريا

استشرافًا لمستقبل سوريا، اعتبر الجميل أن سقوط نظام بشار الأسد كان متوقعًا، وأن القيادة الجديدة تحتاج إلى فهم للمصالح اللبنانية-السورية لتعزيز العلاقات. وأعرب عن أمله في أن تكون لدى الرئيس الشرع القدرة على تحقيق نتائج ملموسة تساعد في استعادة الاستقرار في البلاد.

تحدث الجميل عن الظهور الأول لرفيق الحريري وظهور دوره في الشأن اللبناني، مشيرًا إلى أنه بدأ كموفد للملك فهد بن عبد العزيز. ثم تفجرت الأمور في الساحة السياسية اللبنانية، مما أتاح للحريري بناء علاقات قوية مع مختلف القيادات، مما ساهم في تنمية دوره السياسي.

أبرز الجميل معاناة الحريري مع النظام السوري، مشيرًا إلى أن الضغوطات التي تعرض لها في سبيل الدفاع عن سيادة لبنان كانت كبيرة. كما أكد على أن الأجواء التي كان يتعامل بها الحريري مع الأسد كانت حذرة، حيث كان يدرك أن اللباقة في الطرح مهمة للحفاظ على توازن العلاقات الثنائية.

الحريري ونفوذ سوريا

وصف الجميل كيف تمكن رفيق الحريري من اختراق النظام السوري وبناء علاقات تتجاوز الحدود المسموح بها. ولعب دورًا مهمًا في تحقيق مصالحه، بما في ذلك التأثير على مواقف الزعماء الدوليين بما يتلاءم مع الأوضاع اللبنانية.

ختم الجميل بالحديث عن توقعاته حول استهداف الحريري نظرًا لتجاوزه للحواجز السياسية والنفوذ السوري القوي في لبنان. كانت فترة الحريري زاخرة بالتحديات التي واجهها للتوازن بين مصالح لبنان ومصالح سوريا، مما جعله هدفاً للسياسات السورية.

وسيتم متابعة هذا الموضوع في الحلقة الثالثة والأخيرة غدا.

اقرأ أيضا

اخترنا لك