يعتبر التنقيب عن الذهب في موريتانيا بالطرق التقليدية من أكثر الأنشطة المثيرة للاهتمام، على الرغم من المخاطر الكبيرة التي تحيط به، إذ يعد هذا النشاط وسيلة أساسية لكسب المال لدى شريحة كبيرة من المواطنين، خاصة الشباب العاطلين عن العمل والمستثمرين الباحثين عن فرص جديدة، حيث يلجأ هؤلاء إلى توفير المستلزمات الضرورية وتشكيل فرق بحث تتشارك الأرباح الناتجة عن التنقيب.
مناطق التنقيب عن الذهب في موريتانيا
تتركز مناطق التنقيب عن الذهب في موريتانيا في شمال ووسط البلاد، وهي مناطق سمحت السلطات للباحثين عن الذهب بالعمل فيها باستخدام الطرق التقليدية، ومع أن هناك العديد من المناطق التي ما زالت بكرًا لم تُستغل بعد من قبل الشركات الدولية، إلا أن السلطات تحظر منح تراخيص التنقيب في هذه المناطق للمواطنين، حيث تفضل منحها لشركات التنقيب الدولية التي تستطيع ضخ استثمارات بمبالغ مالية ضخمة.
وفي هذا السياق عبر عدد من المستثمرين المحليين في هذا المجال، عن استيائه من القيود الحكومية المفروضة، حيث قال نذير الغابر إن المناطق المفتوحة أمام المنقبين تم استغلالها واستهلاكها بشكل كبير، ما يجعل من الصعب العثور فيها على كميات من الذهب تكفي لتغطية تكاليف التنقيب وتحقيق الأرباح المرجوة.
وطالب المنقبين بالطرق التقليدية بفتح مناطق جديدة أمامهم في المناطق التي مازالت بكراً لأنها ستوفر لهم فرصًا أكبر لاستخراج الذهب بسهولة وتجنب تعرضهم لحوادث مميتة ناتجة عن انهيار الآبار التي يتم حفرها بطرق بدائية.
الجدل حول السياسات الحكومية
من جانبها، تؤكد الحكومة الموريتانية أنها خصصت مساحة كافية للمنقبين، حيث تبلغ مساحة المناطق المفتوحة لهذا النشاط حوالي 117 ألف كيلومتر مربع، أي ما يعادل 11% من المساحة الإجمالية للبلاد.
وخلال السنتين الأخيرتين قامت السلطات بفتح بعض المناطق العسكرية المغلقة أمام المدنيين لاستغلالها في التنقيب، وذلك استجابة للانتقادات التي وجهت لها بإهمال قطاع التنقيب الأهلي.
الخبراء يرون أن هذا القرار جاء بعد ارتفاع معدلات البطالة والفقر، وزيادة هجرة الشباب، بالإضافة إلى ذلك، شهدت المنطقة العازلة في الصحراء المتنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو اقتحامات من قبل المنقبين، مما أسفر عن مقتل العشرات نتيجة حوادث أمنية وقصف عسكري.
استخراج الذهب وأثره على الاقتصاد المحلي
تشير الأرقام الرسمية إلى أن إنتاج الذهب في موريتانيا يصل إلى 40 طنًا سنويًا، بينما يُقدر عدد المنقبين بحوالي 200 ألف شخص، ويفتح هذا القطاع أبوابًا لآلاف فرص العمل غير المباشرة المرتبطة بعملية التنقيب.
وتتم عملية التنقيب بطرق تقليدية، حيث يستخدم المنقبون أدوات بسيطة مثل المعاول والمجارف، وهناك من يستخدم المعدات الثقيلة والتقنيات الحديثة وحتى المعادن النادرة التي تساعد في تحسين فرص العثور على الذهب.
ويعمل بعض المنقبين كمجموعات يتقاسمون الأرباح، بينما يعمل آخرون لدى مستثمرين محليين مقابل أجور يومية.
التحديات والمستقبل
ورغم المكاسب الاقتصادية التي يوفرها التنقيب، يظل هذا القطاع محفوفًا بالتحديات، بدءًا من الظروف الصعبة التي يعمل فيها المنقبون، مرورًا بمخاطر انهيار الآبار، وصولاً إلى التوترات الأمنية في المناطق الحدودية.
ومن أجل تقنين وتنظيم هذا القطاع، أنشأت الحكومة الموريتانية شركة معادن موريتانيا، التي تسعى لتأطير المناجم التقليدية وشبه الصناعية، وتقديم الدعم للمنقبين، وتسعى من خلال هذه الشركة إلى تقليص المخاطر البيئية وتحسين مستوى السلامة وتوفير الخدمات الأساسية في المناطق النائية التي يتم فيها التنقيب.
رحلة التنقيب عن الذهب
خلف الأرقام والتقارير الرسمية، تكمن قصص فردية عن الكفاح والنجاح والفشل، عبد الله، شاب في الثلاثينات من عمره، كان واحداً من بين آلاف الشباب الذين قادهم الحلم بثراء سريع إلى مناطق التنقيب.
بعد أشهر من البحث الشاق والتحديات اليومية، تمكن عبد الله من استخراج كمية من الذهب تكفي لبناء بيت لأسرته، قصة عبد الله هي واحدة من آلاف القصص التي تجسد الكفاح في مواجهة الصعاب.
مستشار الشباب
وفي منطقة أخرى، يروي الحاج سيد أحمد، الذي تجاوز الستين من عمره، كيف قضى سنوات من عمره يتنقل بين مناطق التنقيب المختلفة، على الرغم من المخاطر الصحية والتحديات.
يعتبر سيد أحمد هذه التجربة جزءًا لا يتجزأ من حياته، مشيراً إلى أن التنقيب عن الذهب ليس مجرد عمل بل هو مغامرة تحمل في طياتها الكثير من التحديات والإثارة.
وقد جمع سيد أحمد من خلال خبرته الطويلة حكمة نادرة تجعله مستشارًا للعديد من المنقبين الشباب الذين يستفيدون من نصائحه وتوجيهاته.
طموح وآمال
حسين، شاب في منتصف العشرينات من العمر، بدأ رحلة التنقيب عن الذهب بأحلام كبيرة وطموحات لا حدود لها، انطلق في مغامرته مع مجموعة من أصدقائه إلى مناطق الشمال، حيث كانوا يأملون في العثور على الذهب بسرعة وتحقيق ثروات كبيرة.
لكن الواقع كان أكثر صعوبة مما تخيل؛ استمر حسين في العمل لعدة أشهر دون أن يحقق النجاح الذي كان يأمله، حتى أصبح يعمل تحت إمرة مستثمر محلي، ورغم التحديات، لم يستسلم حسين، وبدأ يدخر الأموال لشراء أدوات حديثة تساعده في التنقيب بشكل أكثر فعالية.
أرض الذهب
تظل موريتانيا بأراضيها الغنية بالمعادن الثمينة، وعلى رأسها الذهب، محط أنظار الكثيرين من الباحثين عن فرص اقتصادية جديدة، ومع استمرار الحكومة في سياساتها المتعلقة بتنظيم قطاع التنقيب، يبقى الأمل معقودًا على تحسين ظروف العمل وفتح المزيد من المناطق البكر أمام المنقبين التقليديي، هذا القطاع الحيوي ليس فقط مصدرًا للرزق ولكنه جزء من التراث والتاريخ الموريتاني العريق.