تسود الأجواء الحزينة في حاضرة الفاتيكان، مع استعداد الكنيسة الكاثوليكية لتوديع البابا فرنسيس الذي ترك بصمة واضحة على مسارها. ورغم الرياح العاتية التي واجهها، نجح فرنسيس في إحداث تغييرات جذرية داخل الكنيسة، لكن القضايا التي طرحها لم تحقق جميع الأهداف المرجوة.
الإرث والإصلاحات
شهدت فترة papafrancis بابا فرنسيس تحولات غير مسبوقة، مما أثار حفيظة المنافسين له سواء في الأوساط الكنسية أو السياسية. فقد واجه تحديات كبيرة، لا سيما من الأحزاب اليمينية المتطرفة التي كانت تخشى مواقفه في دعم الفقراء والمهمشين، بينهم المهاجرون الذين عانوا من قسوة هذه الجماعات خلال السنوات الأخيرة.
في عام 2015، تصدرت مجلة “نيوزويك” غلافها بصورة البابا فرنسيس، متسائلة “هل البابا كاثوليكي؟”، مشيرةً إلى أن الإجابة تتجاوز ما ترويه الصحف عن شخصيته ومواقفه.
انتقادات وضغوط
منذ ذلك الحين، لم تتوقف الحملات التي شنتها القوى اليمينية ضد البابا، بخاصة في الولايات المتحدة، حيث واجه انتقادات حادة تتهمه بالكفر. ورغم هذه الضغوط، نادراً ما كان يرد على هذه الهجمات، مكتفياً بالتعبير عن مشاعره تجاه من يهاجمونه، قائلاً إن قلوبهم مليئة بالحزن.
تبدو مواقف الإدارة الأميركية، بما في ذلك زيارة فانس للبابا، مزيجاً من الشعبية والاعتراف، أكثر من كونها تعبيراً صادقاً عن تقدير إنجازاته الاجتماعية والسياسية.
فضائح التحرش
على الصعيد الآخر، تبنى البابا فرنسيس استراتيجية جديدة في مواجهة قضايا التحرش الجنسي داخل الأوساط الكنسية، كاشفاً عن العديد من المعلومات التي ظلت طي الكتمان لعقود. حيث تطرق إلى تفاصيل مؤلمة تتعلق بالتحرش بالقاصرين وتجاهل العديد من الفضائح من قبل سلفه البابا يوحنا بولس الثاني.
وفي مواقفه السياسية، لم يكن فرنسيس عقائدياً وإنما إصلاحياً، حيث جعل من القضايا الاجتماعية همّه الأول دون استخدام الدين كأداة للتأثير على السياسة العالمية.
الدفاع عن المهاجرين
رفع البابا فرنسيس لواء الدفاع عن حقوق المهاجرين، مشدداً على قيمة الإنسانية التي ينبغي أن يتعامل بها العالم معهم. ورغم الانتقادات التي واجهها من قبل القادة الإسرائيليين، لم يتخلَّ عن موقفه في دعم الفلسطينيين في غزة.
رغم أن البابا فرنسيس نشأ في بيئة مناهضة للرأسمالية، فقد تمكن من توصيل رسالة إنسانية تحمل معها معاني التضامن مستنداً إلى إيمانه العميق بأهمية محبة الفقراء.
بدء المجمع الكرادلي
مع اقتراب عملية انتخاب البابا الجديد، يستعد مجمع الكرادلة للاجتماع في روما، حيث سيبدأ المشاورات لاختيار خليفة البابا فرنسيس وسط ظروف معقدة تعصف بحضارة الكنيسة. يشكل هذا التجمع أكبر عدد من الناخبين في تاريخ المجمع، ويضم مزيجاً من الكرادلة الذين يمثلون 71 جنسية.
يتضح الانقسام داخل المجمع بين الكرادلة الإصلاحيين الذين يسعون لاستمرار سياسة فرنسيس، والكرادلة المحافظين الذين يسعون للعودة إلى المواقف التقليدية. وكل ذلك وسط مخاوف من محاولة التأثير على قراراتهم عبر حملات تضليل إعلامية.
تحديات انتخاب البابا
في انتخابات البابا الجديد، ستكون هناك تحديات كبيرة تتطلب نيل دعم 90 صوتاً على الأقل، مما يجعل من الضروري أن يكون الفائز متوافقاً بين الجانبين المتصارعين. يُذكر أن الفاتيكان شهد سابقاً عمليات انتخاب معقدة، حيث احتاجت لجولات عديدة في انتخاب البابا السابقين.
ينتظر العالم نتائج هذا المجمع، وما يحمل من آمال في تشكيل مستقبل الكنيسة الكاثوليكية في زمن متغير ومعقد. أجواء الحزن والقلق تهيمن على الفاتيكان، حيث تستمر الاستعدادات لوداع البابا الراحل واتخاذ قرار مهم بشأن القيادة المستقبلية.