بينما يتمسك الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بفكرة إنهاء الدعم الأمريكي للحرب في أوكرانيا، تكافح كييف والدول الأوروبية للبحث عن مسارات بديلة لتعويض خسارة هذا الدعم المحوري. وقد وصف مراقبون وأكاديميون في مراكز الأبحاث الأمريكية الوضع الحالي بأنه يتطلب من أوكرانيا والدول الأوروبية تكيفًا سريعًا وقدرة على الصمود، خصوصا في ظل استمرار الجيش الأوكراني في مواجهة التحديات على الأرض.
واقع الحرب المتغير
رغم الفجوة في القدرات العسكرية، استطاعت أوكرانيا مقاومة الهجوم الروسي، مستفيدة من الأسلحة المحلية والدعم العسكري من أمريكا والدول الأوروبية. ومع استمرار الصراع للدخول في عامه الرابع، اعتبر معهد دراسات الحرب في واشنطن أن النزاع قد تحول إلى حرب استنزاف، حيث تتكبد القوات الروسية خسائر تقدر بأكثر من ألف جندي يومياً، رغم تحقيقها تقدمًا بطيء على جبهات القتال.
ووفقاً لتقرير من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، كان من المتوقع أن يبلغ الإنفاق العسكري لروسيا حوالي 145.9 مليار دولار في العام الماضي، مما يمثل 6.7% من الناتج المحلي الإجمالي. ورغم الخسائر الكبيرة، بما في ذلك نحو 1400 دبابة، لا تزال موسكو تعتمد على مخزونات الحقبة السوفياتية والإنتاج المحلي. وفي المقابل، تواجه أوكرانيا تحديًا كبيرًا في استمرار القتال، مع خطة إنفاق تبلغ 52 مليار دولار، أي نحو 26% من ناتجها المحلي الإجمالي، على الدفاع.
الدعم الغربي للأوكرانيين
حسب البيانات المتاحة، أنفقت الولايات المتحدة نحو 66 مليار دولار لدعم أوكرانيا منذ فبراير 2022 حتى نهاية 2024، بينما ساهمت أوروبا بما يقرب من 64 مليار دولار. معظم هذه الأموال قد تم توجيهها نحو تزويد أوكرانيا بالسلاح والذخيرة. في السياق ذاته، ازداد اهتمام العديد من الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة، بتمويل الشركات الدفاعية الأوكرانية التي نجحت في إنتاج أكثر من 30% من احتياجاتها العسكرية، خاصةً في إنتاج الطائرات المسيرة.
على الرغم من ذلك، قد يُشكل أي انسحاب أمريكي تهديدًا كبيرًا لأوكرانيا، حيث ستفقد ليس فقط عتادها بل أيضًا الأسلحة الأكثر فعالية في معركتها. ويقدر الخبراء بأنه يمكن استبدال بعض الأنظمة العسكرية، لكن هناك معدات معينة ضرورية لا تستطيع الدول الأوروبية استبدالها، كما أكد وزير الخارجية الليتواني.
خيارات أوكرانيا المستقبلية
فيما تتطلع أوكرانيا إلى كسب ود الترمو، يصف المحللون الوضع بأنه معقد، حيث تظل خيارات كييف محدودة. برزت فكرة التفاوض على اتفاقيات اقتصادية، كاتفاقية المعادن، كوسيلة محتملة لكسب الدعم. وقد تلوح موسكو بصفقة مشابهة في مجالات المعادن والموارد الطبيعية، في مسعى لكسب دعم ترمب.
مع تراجع الدعم الأمريكي، قد يصبح بقاء أوكرانيا في ساحة المعركة مكلفاً، حيث يُتوقع أن تعتمد كييف على قدرتها في الصمود لتأمل في تجديد الحوار السلام. وفي إطار ذلك، تشدد أوكرانيا على ضرورة تعزيز شراكتها الأوروبية وتوسيع نطاق الدعم العسكري، بما في ذلك قوات حفظ السلام.
التحولات الدبلوماسية في المنطقة
تتعلق العودة إلى طاولة المفاوضات بمستوى استعداد روسيا لقبول انتشار قوات سلام أوروبية. وقد أظهرت موسكو تحفظاً على هذه الفكرة، بعد أن اقترح ترمب على نظرائه الأوروبيين ضرورة تحملهم عبء ضمانات الأمن. رغم ذلك، تركت أوروبا باب الحوار مفتوحًا، حيث تبحث عن خيارات لاستعادة مكانتها الاستراتيجية، بما في ذلك الاستيلاء المحتمل على الأصول السيادية الروسية المُجمّدة.
على الرغم من أن فكرة الاستيلاء على الأصول التي تقدر قيمتها بأكثر من 200 مليار يورو، قد توفر ورقة ضغط قوية لأوكرانيا، إلا أن الموقف الأوروبي ما يزال منقسمًا حولها. بينما ينظر بعض القادة إلى هذه الخطوة كتحدٍ لموسكو، يخشى آخرون من التأثير السلبي المحتمل على الاستثمارات الدولية.
آفاق المفاوضات المستقبلية
توجهات وزير الخارجية الأمريكي تعكس حاجة الاتحاد الأوروبي للمشاركة في محادثات السلام في سياق العقوبات المفروضة على روسيا. في المرحلة المقبلة، يتوقع الأوروبيون استخدام الأصول المجمّدة كتعويض لإعادة بناء أوكرانيا، والتي تُقدّر تكلفتها بـ 486 مليار دولار، حسب تقديرات البنك الدولي.
وفي ختام الجهود الدولية، توصلت مجموعة السبع الكبرى إلى خطة لاستثمار أصول مختارة لدعم أوكرانيا، مع التأكيد على أهمية اجتماع وزراء المالية القادم لمناقشة سبل الدعم المستقبلي لبقاء أوكرانيا قوية في وجه التحديات. حاليًا، تبقى الوضعيات متغيرة، وتستمر الجهود الدولية لإيجاد حلول تلبي تطلعات أوكرانيا وتحافظ على الاستقرار في المنطقة.