شهدت العلاقات الأوروبية مع الولايات المتحدة تحولًا جذريًا بعد عودة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، حيث وصف مصدر دبلوماسي أوروبي في باريس هذه التغيرات بـ”التسونامي الدبلوماسي والسياسي”. هذا التحول رسم الفارق الكبير بين الاستراتيجيات الأوروبية والأميركية، بما يتجاوز الحرب الأوكرانية إلى قضايا أوسع تتعلق بالأمن الإقليمي ودور حلف الأطلسي.
أيام مؤتمر الأمن في ميونيخ كانت كافية لتوضيح أن عصورًا جديدة بدأت تلوح في الأفق، مما يتطلب من الدول الأوروبية اعتماد استراتيجيات فعالة للدفاع عن مصالحها وأمنها الجماعي.
قمة استشارية جديدة
في ظل هذه المتغيرات، بادرت فرنسا، بقيادة الرئيس إيمانويل ماكرون، إلى تنظيم قمة “تشاورية” خارج الإطار التقليدي للاتحاد الأوروبي، حيث جمعت دولًا رئيسية معنية بالصراع الأوكراني والقادرة على تقديم مساهمات عسكرية.
القمة شهدت حضور رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، ودعوة أمين عام حلف الأطلسي مارك روته، في وقت يُتوقع فيه أن يتغير التزام الولايات المتحدة تجاه الحلف، مما يستدعي من الأوروبيين زيادة دعمهم المالي لتحقيق الاستقرار في الميزانية الدفاعية للحلف.
جاءت قمة باريس في سياق العلاقات الأميركية الروسية المتوترة، حيث يعقد لقاء مرتقب في الرياض بين وزيري خارجية الولايات المتحدة وروسيا. وفي هذا السياق، أفصح الجنرال كيث كيلوغ، المبعوث الأميركي للملف الأوكراني، أن المفاوضات بشأن المصير الأوكراني قد تشمل الأطراف المختلفة، مُشيرًا إلى أن حضور الأوروبيين ليس أمرًا محتملًا.
تضارب المواقف الأميركية
على الجانب الآخر، أقر ماركو روبيو، وزير الخارجية الأميركي، في حديث مع قناة “سي بي إس”، بضرورة مشاركة أوروبا في المحادثات مع روسيا، مما أظهر تناقضًا كبيرًا في المواقف الأميركية، الأمر الذي يثير تساؤلات حول استراتيجية إدارة ترمب في هذا الشأن.
وفي هذا الصدد، دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الدول الأوروبية إلى إنشاء “قوات أوروبية مسلحة” لضمان الأمن الأوكراني في حال تم التوصل إلى اتفاق سلام. وقد أشار زيلينسكي إلى أهمية وجود الأوروبيين على طاولة المفاوضات، خاصة بعد أن كشف وزير الدفاع الأميركي عن مضامين “خطة السلام” الأميركية التي تتعارض مع طموحات كييف حيال الانضمام لحلف الأطلسي.
القلق الأوروبي المتزايد
تتزايد مخاوف الأوروبيين من موقف ترمب الذي يقبل بمبدأ تغيير الحدود بالقوة، بالإضافة إلى إحباط طموحات أوكرانيا في الانضمام لحلف الأطلسي، الذي كان قد ترك بابًا مفتوحًا حتى وقت قريب.
وقد حذر مارك روته، أمين عام حلف الأطلسي، المشاركين في قمة باريس من أهمية رفع ميزانياتهم الدفاعية إلى أكثر من 3% من الناتج المحلي الإجمالي، مع تقديم مقترحات عملية بشأن أوكرانيا، وهو ما شرعت الدول الأوروبية في الإعداد له.
قضايا أمنية معقدة
اقترح ستارمر استعداد بريطانيا للمساهمة بضمانات أمنية لأوكرانيا، بينما أشارت وزيرة الخارجية السويدية ماريا مالمر إلى استعداد بلادها للمشاركة في قوة لحفظ السلام. هذا التطور يعكس رغبة أوروبية في تعزيز الدور العسكري في ظل عدم وضوح الاستراتيجية الأميركية.
من جانبه، كان ماكرون رائدًا في اقتراح إرسال وحدات عسكرية لأداء مهام تدريبية في أوكرانيا، ولكن هناك تردد من الدول الرئيسية بشأن ذلك. والمثير للجدل هو كيفية تنفيذ هذه القوات لمهامها في ظل الظروف الراهنة التي تشتمل على العديد من التساؤلات حول هيكلتها وقيادتها.
وكشفت وكالة “رويترز” عن استبيان أرسلته واشنطن إلى حلفائها الأوروبيين لسؤالهم عن رغبتهم في إرسال قوات لضمان اتفاق سلام مستقبلي. تبقى سلامة هذه الاستجابات في ضوء القمة القادمة في باريس محل رصد وتحليل.