المولد النبوي الشريف من المناسبات السنوية التي تحظى بمكانة خاصة في قلوب المسلمين حول العالم، فهي ذكرى مولد سيد الخلق وأشرفهم وخاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، النبي الذي غيّر مجرى التاريخ برسالته الخالدة.
تُحيي الأمة الإسلامية هذه الذكرى سنويًا تعبيرًا عن الفرح والحب والاعتزاز بمولده الكريم وتقديرًا لدعوته ورسالته والقيم التي جاء بها والتي تتجسد في السيرة النبوية العطرة، فقد أشرقت شمس الهداية بميلاد سيد الخلق، الذي بُعث رحمة للعالمين.
محمد صلى الله عليه وسلم هو النبي الذي جمع بين الخلق الكريم والقلب الرحيم، والقائد والمُعلم الذي قاد أمته نحو النور والإيمان فأخرجها من الظلمات إلى النور، إنه رسول الله الذي أرسله رحمة للعالمين، وستظل شخصية صلى الله عليه وسلم مشعلاً يُنير ضروب وقلوب الملايين من البشر -في كل زمان ومكان-.
متى ولد الرسول صلى الله عليه وسلم؟
يُجمع علماء المسلمين على أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم وُلد في الثاني عشر من شهر ربيع الأول من عام الفيل، الموافق تقريبًا لعام 570 أو 571 ميلادي، وسمي العام الذي ولد فيه بـ”عام الفيل” تيمناً بالحدث العظيم الذي وقع في مكة حينها عندما أرسل الله عز وجل “طير الأبابيل” ليقضي على جيش أبرهة ويصده عن هدم الكعبة.
وكان مولده صلى الله عليه وسلم في فجر يوم الإثنين، فى شعب أبى طالب بمكة المكرمة، وكانت ولادته حدثًا استثنائيًا، حيث رافق مولده إشارات نبوة عظيمة، منها: انهيار إيوان كسرى وانطفاء نار المجوس، ويروي أهل السيرة النبوية المكتوبة أن والدته السيدة آمنة بنت وهب شعرت ببركات هذه الولادة المباركة منذ لحظة حملها به.
ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صحيح مسلم عندما سئل عن سبب صوم يوم الاثنين، أنه قال: «ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت -أو أنزل علي- فيه»، وهذا يؤكد مكانة يوم الاثنين في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، إذ جمع بين ولادته الشريفة ونزول الوحي عليه.
وقال الإمام محمد بن إسحاق في “السيرة النبوية” إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وُلد في يوم الاثنين، لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول في عام الفيل، وهذا الرأي توافق عليه العلماء، حيث أكده الحافظ ابن كثير في “البداية والنهاية” بقوله: “وهذا ما لا خلاف فيه أنه ولد صلى الله عليه وآله وسلم يوم الاثنين”.
من هو النبي محمد ونسبه الشريف؟
هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.. وعدنان من ولد إسماعيل بن نبي الله إبراهيم عليهما السلام، فهو من سلالة نبي الله إبراهيم عليه السلام، أعرق وأشرف الأنساب في العرب.
وُلد في مكة المكرمة في عام الفيل، وترعرع يتيمًا بعد وفاة والده عبد الله قبل مولده -قيل مات وهو جنينٌ بِبطنِ أمِّهِ- وتوفيت والدته آمنة بنت وهب عندما كان في السادسة من عمره.
عُرف في شبابه بلقب “الصادق الأمين” بسبب أمانته وصدقه في التعامل مع الناس، وبدأ دعوته إلى الإسلام في سن الأربعين بعد نزول الوحي عليه، وتحمل مشاق كبيرة في سبيل نشر دعوة التوحيد.
متى توفي النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟
توفي النبي محمد صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة يوم الإثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول في السنة الحادية عشرة للهجرة، الموافق 632 ميلاديًا، مات وظلت ذكراه العطرة نبراسًا يهتدي به المسلمون حتى يومنا هذا وإلى يوم الدين.
حكم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف
حول حكم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف والذي يعد واحدا من أهم المناسبات التي يحتفل بها المسلمون في شتى بقاع الأرض كل عام، أكدت دار الإفتاء المصرية أن الاحتفال بذكرى مولد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو تعبير عن حبنا واعتزازنا بسيد الخلق وأعظم الرسل.
وقالت دار الإفتاء أن إحياء هذه الذكرى من أفضل الأعمال وأعظم القربات، وهي تجسيد لمحبته صلى الله عليه وسلم التي تعتبر من أصول الإيمان، حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم في حديثه الصحيح، كما روى البخاري: «لا يُؤمِنُ أَحَدُكم حتى أَكُونَ أَحَبَّ إليه مِن والِدِه وَوَلَدِه وَالنَّاسِ أَجمَعِينَ».
ويقول رب العزة جل وعلا في كتابه الكريم: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ﴾ [التوبة: 24].
وقال الدكتور على جمعة، مفتي الجمهورية الأسبق، أن المصادر التاريخية أكدت أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف كان سلوكًا متبعًا منذ القرون الأولى، حيث أحيى السلف الصالح هذه الليلة بكافة أنواع القربات، من إطعام الطعام وتلاوة القرآن وإنشاد المدائح، وهو ما وثقه العديد من المؤرخين مثل ابن الجوزي وابن كثير وابن دحية الأندلسي وابن حجر، وكذلك الحافظ جلال الدين السيوطي في كتابه “حسن المقصد في عمل المولد”.
وأشار الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية السابق، إلى أن الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف والفرح بها من أفضل الأعمال وأعظم القربات، وأن الاحتفال بهذه الذكرى العطرة يشمل كافة مظاهر الفرح والطاعة التي يتقرب بها إلى الله عز وجل، بما في ذلك شراء حلوى المولد النبوي والتهادي بها، كعلامة على الفرح بميلاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
حكم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في المذاهب الأربعة
يختلف الفقهاء حول حكم الاحتفال بالمولد النبوي، لكن الأغلبية تجمع على أنه يجوز الاحتفال إذا كان يتضمن تذكيرًا بحياة النبي وتعاليمه، ويفضل أن يكون الاحتفال بالذكرى بالطرق المشروعة كقراءة السيرة النبوية الشريفة وتلاوة القرآن.
بينما يعتبر البعض الآخر أن أي احتفال لم يرد في السنة قد يدخل في باب البدع، ورغم هذه الخلافات، يبقى حب النبي صلى الله عليه وسلم وتقدير سيرته أمرًا لا خلاف عليه.
التهنئة بالمولد النبوي الشريف
تُعد التهنئة بالمولد النبوي الشريف من المظاهر الاجتماعية التي تظهر فيها مشاعر الفرح والتقدير لهذه المناسبة، حيث يقوم المسلمون بإرسال رسائل تهنئة بذكرى المولد النبوي إلى بعضهم البعض، كما يشارك الكثيرون بأقوال وأدعية تعبر عن حبهم للنبي وتقديرهم لدعوته.
ومن أشهر ما يمكن تداوله من كلمات بمناسبة المولد النبوي الشريف بين المسلمون:
– “بمناسبة مولد خير البرية، نسأل الله أن يملأ قلوبنا بنور الإيمان وأن يحفظنا ببركة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم”.
– “نهنئكم بمناسبة المولد النبوي الشريف، جعلها الله ذكرى عامرة بالخيرات والبركات”.
السيرة النبوية.. مصدر معرفة النبي
تُعد السيرة النبوية المكتوبة المصدر الأساسي لفهم حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، بدءًا من مولده ومرورًا برسالته وحتى وفاته.
ومن بين أفضل كتب السيرة النبوية التي يمكن الاعتماد عليها لفهم شخصية الرسول:
1. السيرة النبوية لابن هشام: يُعد هذا الكتاب من أشهر الكتب التي تناولت سيرة النبي بالتفصيل.
2. الرحيق المختوم لصفي الرحمن المباركفوري: حاز على جائزة من رابطة العالم الإسلامي كأفضل عمل في السيرة.
3. زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم: يتناول الكتاب هدي النبي في كل مناحي حياته.
مولد النبي وتحديات الدعوة
وُلد النبي محمد صلى الله عليه وسلم في بيئة مليئة بالتحديات والصراعات القبلية والجاهلية، إلا أنه نشأ على الصدق والأمانة، وبدأت دعوته إلى الإسلام في سن الأربعين بعد نزول الوحي عليه.
تحمل النبي صلى الله عليه وسلم مشاقًا وصعوبات جمة خلال نشر رسالته، ومع ذلك استطاع بفضل الله وحكمته نشر الإسلام وتوحيد القبائل العربية تحت راية واحدة.
مظاهر الفرحة بالمولد النبوي في العالم الإسلامي
في العديد من الدول الإسلامية يتم الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف بطرق مختلفة، منها نشر الزينة في الشوارع، وإقامة المسيرات التي تتغنى بحب النبي وتدعو المسلمين لتذكر القيم التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإرسال رسائل التهنئة بين المسلمين للتعبير عن الفرحة والحب الكبيرين لهذه الذكرى العظيمة.
كيف نحتفل بالمولد النبوي في حياتنا اليومية؟
خلاصة القول أنه لا يكمن الاحتفال الحقيقي بذكرى مولد النبي فقط في إرسال التهاني أو إقامة الاحتفالات، بل يجب أن يتمثل في اتباع سنته وأخلاقه.
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم رمزًا للرحمة والعدل، ولذا يجب أن نتعلم من سيرته كيفية التحلي بالصبر والتسامح والإحسان.
سواء احتفلت بهذه المناسبة العطرة أم لا، يبقى المهم هو استلهام الدروس من حياة النبي وتطبيقها في حياتهم اليومية، لأنه هذا هو الاحتفال الحقيقي الذي يدوم طوال العام، وليس فقط في ذكرى المولد النبوي الشريف.
أهم كتب السيرة النبوية
ولمن يرغب في مطالعة المزيد عن السيرة النبوية المكتوبة أو يبحث عن أفضل الكتب التي تناولت حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فإن الكتب التالية تعد من أكثر المصادر شهرة:
– سيرة ابن إسحاق: يُعد أول كتاب شامل للسيرة النبوية.
– مختصر سيرة الرسول لابن عبد الوهاب “ابن كثير”: يُعد من الكتب المختصرة التي تقدم صورة واضحة للسيرة.
وأخيرا.. المولد النبوي الشريف فرصة عظيمة لنتذكر الأخلاق النبوية والقيم التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذه الذكرى تُمثل دعوة لكل مسلم لتجديد علاقته برسول الله صلى الله عليه وسلم من خلال اتباع سنته والعمل على نشر رسالته الخالدة.